تعبير "حُكم قراقوش" من التعبيرات المشهورة فى لسان العامة المصرية، ويستخدم للتعبير عن القرارات والأحكام واللوائح والقوانين المتضادة مع الفطرة الإنسانية والمكبلة للحياة المدنية.. أصل هذا التعبير تركى، حيث تنقسم كلمة "قراقوش" إلى كلمتين، الأولى "قرا" وهى تحمل معانى متعددة فى اللغة التركية، لأنها بمعنى: البرّ، والجاف، والأسود، والصلب.. أما الكلمة الثانية وهى "قوش" وهى بمعنى الطائر.. ومن هنا يستخدم التعبير فى لغتة الأصلية، بمعنى الطائر البرّى أو الأسود.. لكن هذه الكلمة، تستخدم أيضًا فى الثقافة التركية، كصفة أو كنية تطلق على الأشخاص. تقول مصادر التاريخ: إن شخصيات مثل بهاء الدين قراقوش وشرف الدين قراقوش، كانا من بين الأرّمن الذين ضمهم السلطان صلاح الدين الأيوبى لخدمة الدولة، بعد دخوله وفتحه القدس عام 1187م، ومن ثم كان المهندس بهاء الدين قراقوش (ت 1201م) نائبًا عن صلاح الدين الأيوبى فى الديار المصرية، وينسب إليه بناء سور القاهرة وقلعتها وقناطر الجيزة، وأيضًا تنسب إليه مجموعة من الأحكام والقرارات الغريبة عن فطرة وطبيعة الشعب المصرى، ومن هنا ضجر شعب مصر منه ومن قراراتة التسلطية، فصار الناس فى وقته ومن بعده يتندرون به عندما يتعرضون فى أى وقت ومكان من أرض مصر لقرارات تعسفية أو تسلطية تصدر عن الحاكم.. حتى أنهم يتندرون باستخدام تعبير "ولا حتى حكم قراقوش" للتعبير عن المواقف والآراء التسلطية والتحكمية. بعد أن انتهى المصريون بساعات قليلة من التصويت لانتخاب رئيس جديد لمصر، وبشكل ديمقراطى جديد وظهر للمجلس العسكرى المتحكم فى شئون مصر منذ يوم 11 فبراير 2011، أن الميل العام يسير فى اتجاه انتخاب محمد مرسى رئيسًا (مدنيًا) لمصر بعد غياب 60 عامًا، كان فيها حكام مصر – محمد نجيب، عبد الناصر، أنور السادات، حسنى مبارك - من العسكريين.. بعد ساعات قليلة وقبل ظهور نتائج انتخاب الرئيس، أصدر المجلس العسكرى بيانًا عسكريًا شاذًا وغريبًا وتسلطيًا سمّاه ب "الإعلان الدستورى المكمل"! هذا الأمر العسكرى يذكرنى بالأوامر العسكرية التى تصدر داخل الوحدات العسكرية أو فى ميادين الحرب وتكون منفذة من جميع الضباط والجنود دون أى تردد أو اعتراض بمنطق عسكرى مصرى يقول: نفذ الأوامر أولاً ثم اعترض! قد يكون هذا مقبولاً فى الوحدات العسكرية وميادين القتال، لدواعٍ كثيرة، لكن الأمر العسكرى الجديد والمسمى بالدستورى، سينفذ هذه المرة، على المدنيين ومن طرف العسكريين.. هذا يعنى ببساطة أن قراقوش الشهير عاد يطل برأسه مجددًا على الشعب المصرى ويقول لهم: انتباه.. أنا هنا! المعروف أن كل أنواع الدساتير الدائمة أو المؤقتة أو الاعلانات الدستورية التى عرفتها المجتمعات، تصدر عن لجان أو جمعيات مدنية قانونية، لكونها تطبق على المدنيين وبتصديق الغالبية من الشعب.. أما الأوامر واللوائح والقرارات الخاصة بشئون الحياة العسكرية فتصدر من داخل المؤسسة العسكرية.. لدرجة قيام الدول والمجتمعات بإنشاء محاكم ونيابات عسكرية تنظر فقط فى المخالفات التى تحدث وتقع داخل الوحدات العسكرية من العسكريين، ولا يسمح للمدنيين بالتدخل فيها مطلقًا. على هذا النحو، وبمنطق العسكر أو منطق قراقوش الشهير "نفذ الأوامر أولاً ثم اعترض" تكون مصر دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، عادت فيه إلى القرن الثانى عشر الميلادى.. أى العودة للخلف بدلاً من التقدم للأمام، فهل سيكون ممكنًا الاعتراض بعد قبول وتنفيذ الأوامر أقصد الإعلان الدستورى المِهبّب؟!