اتسم الحكم العسكري الأيوبي بالقسوة والفساد والعنصرية, فالأولي مازالت شواهدها ماثلة في حياة المصريين حتي الآن في تعبيرهم الشهير( إيه.. هو حكم قراقوش), والأخير هو حاكم مصر من قبل صلاح الدين وقد اشتهر عن الرجل أن له قرارات غريبة وعجيبة وقد ألف فيها ابن مماتي كتابا سماه الفاشوش في حكم قراقوش, والمؤلف كان أحد العاملين في ديوان وزير صلاح الدين القاضي الفاضل, ومما يذكره عن غرائب قراقوش أن فلاحا اشتكي له من أحد الجنود الذي دفع زوجته الحامل, مما أدي الي سقوطها علي الأرض وفقدت جنينها في شهرها التاسع, فما كان من قراقوش إلا أن أحضر الجندي وقال له: إيه الجندي خذ زوجة الفلاح أطعمها وشربها وحبلها وأعدها له حامل في الشهر التاسع وهنا طبعا يشكره الفلاح وميخرج مرددا الدعاء الشهير حسبي الله ونعم الوكيل. وقد اخترع المصريون عروسة سموها أراجوز تمثل شخصية قراقوش كما انها مشتقة من اسمه ومازالت تستخدم حتي الآن في مسارح الأطفال. أما الفساد فله ملامح عديدة, فمع بداية حكم صلاح الدين قسم مصر الي اقطاعات وزعها علي أهله وخواصه من قادة الجيش فأقطع أباه نجم الدين أيوب الاسكندرية وبعد وفاة الأخير أقطعها الي أخيه العادل أبوبكر, بالاضافة الي دمياط, كما منح أخاه توران شاه اقطاع قوص واسوان وعيذاب وهكذا كل أنحاء مصر, مما حول المصريين الي رقيق الأرض يتحولون من مالك الي آخر وظل هكذا الأمر قائما حتي نهاية الحكم العثماني لمصر, كما تميز العصر الأيوبي بانتشار بيوت الدعارة والخمارات, التي أعلن صلاح الدين في بداية حكمه اغلاقها ولكن أصحابها من أهل الاسكندرية أعطوا أباه نجم الدين أيوب بعض المال فأعاد فتحها ولم يجرؤ صلاح الدين علي معارضة أبيه وبالتالي عادت باقي الخمارات, وفي عصر أبي صلاح الدين العزيز عثمان يذكر المقريزي أن العزيز كان يأكل السحت وذلك لأن مصاريف قصره اليومية يتم تدبيرها من الضرائب اليومية المفروضة علي الخمارات وبيوت الدعارة. وملامح الفساد في دولة الايوبيين عديدة اكتفينا بما أوردنا منها, أما العنصرية فتمثلت في لفظ العامة الذي أصبح متداولا مع بداية حكم آل أيوب. وأطلق هذا اللفظ علي سكان المدن من المصريين ويعني الدهماء والغوغاء والرعاع والأوغاد والاذلاء والسوقة بمعني الذين يسوقهم السلطان رغم ارادتهم, وهذه السياسة الأخيرة مازالت سائدة حتي الآن في منطقة الشرق الأوسط وما يحدث في سوريا وليبيا واليمن وقبلها تونس ومصر ليس إلا تعبيرا عن هذه السياسة الممتدة من العصر الايوبي وحتي الآن. ومن عبث الأقدار أن كلمة العامة مشتقة من لفظ مصري قديم ينطق هكذا العامو وقد أطلقه قدماء المصريين علي الآسيويين الذين كانوا دائمي الهجرة الي مصر أثناء حكم الدولة الوسطي والحديثة, وهي نفس المعاني التي تعنيها كلمة العامة وهي الدهماء والغوغاء والرعاع..الخ, بالاضافة الي ما سبق من مثالب كان الظلم والجشع والنهب من سمات هذا العصر فتعالوا نري ماذا يفرض علي الفلاح بعد حصيد محصوله 1 رسم الجراريف2 رسم الراعي3 رسم الخراج4 رسم الحقوق( عن غابات شجر السقط المصري). 5 رسم الاتبان( فالفلاح لا يحصل إلا علي ثلث تبن محصوله من قمح أو فول أو غيرهما. 6 رسم الخفارة( ويمنح لجماعات البدو المقيمين علي أطراف القري). 7 رسم شد العين( ويمنح للمشرف علي الاقطاع). 8 رسم خولي البحر( لصيانة شواطئ النيل). 9 رسم الشهود( ويمنح للذين يحضرون قسمة المحصول بين القطع والمزارع). وقد أدي هذا الظلم الي هروب الفلاحين من الأرض وتحولهم الي متسولين في المدن, كما أدي الي حالة من الفقر الشديد تغلب عليها المصريون بأكلات لا تكلفهم شيء ومنها الشلولو وهو عبارة عن ملوخية ناشفة وماء بارد وملح وقطع من الثوم إن وجد وليمون, الكشك وهو عبارة عن عجينة من القمح قبل نضجه يتم تجفيفها ويظل الفلاح وأسرته يأكلون منها طوال العام وهي موجودة حتي الآن, بالاضافة الي الفول المدمس الشهير والمش الأكثر شهرة, وكان اذا منحته الأقدار قدرا من المال اشتري لحم الجمال الرخيص أما الأغنام المشوية والدواجن المحشوة باللوز والجوز فكانت وجبات السادة الأيوبيين وبعدهم المماليك, وقد أدي ما سبق من فساد وعنصرية وظلم وقسوة الي هرب المصريين من البلاد وفضلوا أن يلتقطهم البحارة الأوروبيون ليعملوا كعبيد لهم فهذا أفضل لهم من الحياة في ظل الحكم الأيوبي, كما كثر تنقيب المصريين في مقابر الفراعنة وحصولهم علي المومياوات التي كانوا يبيعونها للتجار الأوروبيين والشوام وغيرهم, وقد أكدوا أن مسحوقها يشفي الكثير من الأمراض. لقد عاني المصريون الكثير من الظلم في تلك العصور المظلمة ومازالت الأمثلة الشعبية الممتدة من تلك الأزمنة سائدة حتي يومنا هذا آخر خدمة الغز علقة الاحتيال عليهم ولا الحوجة ليهم فقد كان المصريون يبيعون للعسكر نحاسا مطليا علي أنه ذهب, ومسحوق عظام الفراعنة علي أنه دواء..الخ خواطر لم يخبرني أحد يا أمي/ أن الفساد كائن له جسد وأنه يتسلل عبر الدهور/ فاتنا لا يشيخ لا يموت يغوي الضعفاء الظلمة/ يقتل المقهورين الفقراء يمرح بين الحدائق والقصور/ يهوي السياحة ولعبة الجولف ينهب ذهب العباد والبلاد/ مغرم بسرقة اللوحات الفنية ايقتني الآثار ينهب القبور/ يرتدي الفاخر من الثياب يدخن السيجار ويكرع الويسكي/ ويمز بالكافيار ولحم النعام يقتني أجمل الجواري وأرق الغلمان هذا هو الفساد.