أمس كانت الطائرات الحربية المصرية تقصف الحدود الليبية المصرية ، وأعلن المتحدث العسكري أن تلك الضربات استهدفت محاولة اختراق لعربات تابعة للإرهابيين من الحدود الغربية ، وأن الغارة نجحت في تدمير حوالي ست عربات بما تحمله من ذخيرة ، لكن ما حدث في نفس الليلة أن طائرات "مجهولة" قامت بقصف مدينة "درنة" الليبية القريبة من الحدود المصرية الليبية ، وتسبب القصف في مجزرة راح ضحيتها ثمانية عشر مواطنا ليبيا كانوا في "عرس" وكان كثير من الضحايا أطفالا ونساء تم توزيع صور جثثهم المشوهة بفعل القصف الجوي المريع وأثارت استياء واسعا داخل ليبيا وخارجها . مصادر إعلامية ليبية ونشطاء قالوا أن الطائرات التي قصفت هي طائرات مصرية ، لكن أحدا لم يقدم دليلا حتى الآن على هذا الاتهام الخطير ، وإن كانت تلك المصادر الليبية تستند عادة إلى التصريحات الرسمية المصرية المتكررة عن دعم خليفة حفتر وقواته ، وكذلك اعتراف سابق لمصر بأن طائراتها قامت بقصف مواقع داخل ليبيا بعد عملية ذبح المواطنين الأقباط في سرت على يد داعش ، غير أن الغريب في تلك الواقعة أن الطائرات قصفت "درنة" ولم تقصف سرت ، ومدينة درنة في الشرق الليبي هي المدينة الوحيدة التي تستعصي على سيطرة ميليشيات خليفة حفتر ، هي المدينة الوحيدة المحررة من حفتر وجرائمه المروعة ، حيث يسيطر عليها تشكيل من كتائب مسلحة شاركت في ثورة الشعب الليبي ضد القذافي ، وظل حفتر طوال عامين يحاول اختراق المدينة والسيطرة عليها لضمان سيطرته على الشرق الليبي كله غير أنه عجز عن ذلك لصلابة المقاومة الثورية في المدينة ، ويذكر أن ثوار درنة حققوا نصرا كبيرا على تنظيم داعش الإرهابي قبل أكثر من عام ونجحوا في طرده خارج المدينة بعد معارك شرسة للغاية ، كانت قوات حفتر فيها تساعد الدواعش بشكل غير مباشر ، من خلال قيامها بعمليات ضغط عسكري على قوات الثوار لإرباكهم ، لكنهم في النهاية نجحوا في هزيمة داعش وطردها كما طردوا ميليشيات حفتر . لا يمكن تأكيد الاتهام ضد مصر في واقعة الأمس قطعا ، لكن المشكلة أن مصر ظلت صامتة أمام أخبار تلك المذبحة البشعة ، لم يصدر أي تصريح مصري ينفي تلك الاتهامات ولا حتى يدين ذلك الهجوم الدموي أيا كان مصدره ، وهو صمت مربك جدا ويطرح علامات استفهام ويوسع الشبهات بدون شك وبدون داع ، كما أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبي في العاصمة طرابلس ، وهي السلطة الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي ، دعت إلى إجراء تحقيق دولي في تلك الجريمة ومعرفة من هي الطائرات التي قامت بالهجوم ، وتتبع أي دولة . خليفة حفتر تحول إلى نزيف خطير جدا لسمعة مصر وكرامتها ، بسبب الانحياز الدائم له والدفاع عنه ودعمه سياسيا وعسكريا ، في الوقت الذي تتوالى أخبار جرائمه الوحشية ضد المدنيين ، فقد قام أحد قادة ميليشياته واسمه "محمود الورفلي" بارتكاب مذابح بشعة ضد المدنيين في بنغازي وصورها على طريقة داعش حرفيا ، الأمر الذي دعا محكمة جرائم الحرب الدولية إلى إصدار مذكرة باعتقاله وتقديمه للعدالة ، فقام حفتر بإخفائه وادعى أنه سوف يحقق معه وهو ما لم يحدث حتى الآن ، ثم حدث قبل ثلاثة أيام أن كشف النقاب عن مذبحة أخرى شرق بنغازي الخاضعة لسيطرة قوات حفتر ، حيث عثر على حوالي ستة وثلاثين جثة لمواطنين ليبيين مقتولين غدرا وملقاة جثثهم في العراء ، الأمر الذي أثار ضجة كبرى ما زالت حتى الآن ، ودعت الحكومة الليبية إلى سرعة التحقيق فيها والقبض على الجناة ، والجميع يعرف أنه لن ينجح أي تحقيق ولن يتم القبض على القتلة ، لأنهم باختصار هم رجال حفتر المطلوبون للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . جزء كبير من تكلفة هذه الجرائم ووسخها يلحق بثوب مصر بكل تأكيد ، لأنها الراعية لحفتر الآن أمام العالم ، والمدافعة عنه ، والداعمة له ، عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا ، وقد آن لمصر أن ترفع يدها عن هذا المجرم ، وتغسل سمعتها من عاره ، قبل أن يمسها أو يمس بعض قادتها شظايا من المحاكمات الدولية المنتظرة لحفتر وعصابته . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1