تعد هذه القصة هى الترجمة الفورية التى تختزل كواليس ما يجرى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر والدول العربية، وعلاقة الجهات الخارجية بإشعال نار الفتنة على هذا الصعيد لخدمة مصالحها الخاصة. جرت أحداث القصة التى يدور الحديث عنها عام 1882، عندما كان الأسطول البريطانى قاب قوسين أو أدنى من سواحل مدينة الإسكندرية، إلا أنه كان يفتقر إلى ذريعة لاحتلال مصر، وإبان تلك الفترة كانت تعيش فى مدينة الإسكندرية العديد من الجنسيات الأجنبية، التى كانت تعتبر فى حينه أقليات تعيش فى مصر، إذ كانت الإسكندرية قبلة لكافة شعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، مما جعل المدينة هى الأكثر جاذبية على مستوى العالم. كانت الساعة الثانية ظهراً يوم الأحد فى مثل هذا اليوم عام 1882، والنفوس ملتهبة ليس فقط بسبب الحر، ولكن بسبب الأحداث الرهيبة في مصر كلها.. وكان رجل من مالطة أي من رعايا إنجلترا قد استأجر حماراً من المواطن المصرى السيد العجان، وطلب منه أن يطوف به العديد من الشوارع .. المالطى فوق الحمار والمواطن يمسك بالحمار ويسير بجواره فى لهيب الشمس ويجرى أحيانا، ولما تعب الحمار والحمَّار طلب السيد العجان أجرته فأعطاه المالطى قرشاً واحداً، رأى الحمَّار أن هذا المقابل قليل ولا يتناسب مع قدر الجهد والوقت الذى بذله.. وحدث جدل بينهما فأخرج الرجل المالطى سكيناً من ثيابه أخذ يطعن به المواطن المصرى حتى قتله، وكان ذلك بالقرب من قهوة القزاز القريبة من مخفر اللبان بشارع السبع بنات فى منطقة ميدان المنشية. وتجمع الأهالى، فجرى المالطى ودخل أحد البيوت التى يسكنها المالطيون واليونانيون خلف قهوة القزاز .. وأخذ السكان الأجانب يطلقون الرصاص على الأهالى. ثارت نفوس المصريين، وانطلقوا يهجمون على أى أجنبى فى الشوارع والدكاكين.. وهنا انضم إليهم البلطجية (أو الرعاع كما وصفهم عبد الرحمن الرافعى) بالعصي والهراوات، واشتعلت المنطقة كلها بالغضب، وانطلق الرعاع يصيحون في شوارع الإسكندرية كلها يهيجون الناس أن الأجانب يقتلون المصريين .. وكانت مذبحة الإسكندرية. اختلف الرواة حول عدد الضحايا، أحد الأجانب من الذين شاهدوا الأحداث قال إن العدد وصل إلى 300 قتيل من الجانبين، أما الإحصاء المحايد فيقول إن عدد القتلى كانوا 238 منهم 75 من الأوروبيين و163 من الأهالى، وقال البعض إن عددهم كان يتراوح بين 45 و50 قتيلاً. المهم أن هذه المجزرة - التي تسبب فيها المندسون - كانت سبباً مباشراً للأسطول الإنجليزى الذى كان يرابط أمام طوابى الإسكندرية فى ضرب المدينة بالمدافع، بعد شهر بالضبط من المذبحة، بدعوى "حماية الأقليات"، ثم توالت الأحداث بعد ذلك، حتى جرى احتلال مصر عقب هذه المذبحة.