يوميات الإسكندرية 1882 للكاتبة أمل الجيار هو كتاب من ضمن كتب سلسلة ذاكرة مصر المعاصرة التي تصدرها مكتبة الإسكندرية حيث يتمحور الكتاب حول مذبحة الإسكندرية في 11 يونيه 1882 وهي التي دارت رحاها بين السكندريين والأجانب ثم حصار المدينة وضربها بواسطة الأسطول الإنجليزي بقيادة الأميرال سيمور، وتدمير الطوابي ودفاعات واستحكامات المدينة بعد إخلاء الأجانب منها وما تلا ذلك من حرق ونهب للدكاكين بوسط المدينة. حيث حصلت الكاتبة بمحض الصدفة علي عدة قصاصات ورق قديمة من بائع روبابيكيا ما هي إلا التحقيقات التي أجريت بعد ضرب الإسكندرية وهجرة المواطنين منها وأكملت الباحثة رحلتها للبحث عن باقي المعلومات من خلال باعة الأوراق والوثائق خارج مصر في لندن وباريس ففي باريس تمكنت الكاتبة من العثور علي باقة الجرائد والرسوم القديمة «GRAVURE» الرسم بالفحم وهي الطريقة القديمه لنقل المشاهد قبل اختراع التصوير، وتناول الكتاب في بدايته علاقة الأجانب بالمصريين وأماكن تواجدهم داخل مدينه الإسكندرية والامتيازات التي كانوا يحصلون عليها ومن ضمن هذه الوثائق صورة نشرتها THE ILLUSTRATED LONDON NEWS تظهر كيف كان يعيش الأجانب في ترف ورفاهية بينما كان المواطنون يعيشون حياة عادية ليس فيها رفاهية ويمارسون مهنا كانت منتشرة في ذلك الوقت كالسقا وبائع العرقسوس والحلاق. يوم 11 يونيه 1882 هو يوم المذبحة فهو اليوم الذي اندلعت فيه شرارات العداء بين المصريين والأجانب المقيمين في مصر فالمدينة الساحلية تحولت في لحظات إلي مجزرة كبيرة وخراب علي مدار 53 يوما بداية من 11 يونيه مرورا بيوم 11 يوليو وهو تاريخ ضرب المدينة بالمدافع بواسطة الأسطول الإنجليزي الذي كان قابعا أمام سواحل الإسكندرية، ثم حرق المدينة وتهجير المواطنين، وملخص الحادثة يرجع إلي أن مشاجرة نشبت بين مالطي ومصري علي أجرة ركوب حمار فما كان من المالطي الذي كان من رعايا الحكومة الإنجليزية إلا أن طعن المصري وفر هاربا داخل أحد البيوت التي يسكنها المالطيون واليونانيون وبدأ بإطلاق النيران حتي سقط في هذه الحادثة عشرات الضحايا من الجانبين والواقع والتاريخ يحكيان أن هذه الحادثة لم تكن وليدة اللحظة التي حدثت فيها بل كانت نتيجة لحالة من الغليان عاشتها المدينة حيث كانت تشهد مصر حالة من السخط العام تحولت إلي ثورة كامنة داخل قلوب وعقول الكثيرين من رجال الجيش الذين عرفوا برجال عرابي في ظل حكم الخديوي توفيق والمراقبة الثنائية الإنجليزية والفرنسية المالية علي البلاد. - وصول الأسطولين الفرنسي والإنجليزي قبالة السواحل المصرية ثم كان الحدث الأخطر الذي أشعل النار في قلوب المصريين وعجل بتطور الأحداث، ألا وهو وصول الأسطولين الفرنسي والإنجليزي قبالة السواحل المصرية مما أدي إلي الشعور بالعداء تجاه الأجانب المقيمين بالإسكندرية. وقد منع المصريون من حمل الأسلحة إلا فئة العربان بينما تسلح الأجانب بالأسلحة الحديثة ولم يجد المصريون سوي العصي والنبابيت. واستعرض الكتاب المذبحة بعيون تاريخية، حيث أكد المؤرخ عبدالرحمن الرافعي أن الواقعة حدثت في شارع السبع بنات وامتدت إلي شوارع الإبراهيمية والهماميل والمحمودية والمنشية وشارع الضبطية رأس التين وهي الشوارع التي كان يسكنها الأجانب أو يمرون بها ولم يحضر الجند لوقف المعركة الدامية إلا الساعة الخامسة مساء أي بعد ساعتين من القتال وعندما حضر الجند فرقوا المتجمهرين بغير صعوبة بعد أن بلغ عدد القتلي 49 شخصا منهم 38 من الأجانب والباقي من الأهليين. وقد اهتم الرافعي بتأخر الجند في فض المذبحة وخاصة العرابيين منهم أمثال الأميرالاي مصطفي عبدالرحيم. ولم تختلف رواية ألبرت فارمان القنصل الأمريكي كثيرا عن الرواية المصرية، فقد سرد ما حدث باعتدال مما يبين حبه لمصر والمصريين. المذبحة بوجهة نظر خديوية من خلال أحد حاشية الخديوي والذي رأي الحادثة من الزاوية الرسمية والذي أكد أن الأوروبيين هم من بدأوا بالقتال وأطلقوا النيران من النوافذ موضحا أن أخطر ما كان يتوقعه حاشية الخديوي هو تدخل الأجانب في شئون البلاد موضحا أنه في نفس اليوم الذي وصل فيه الخديوي توفيق إلي الإسكندرية سرت شائعة بأن الأجانب يستعدون للهجوم علي الوطنيين فاجتمع في الإسكندرية بعض رؤساء الجند وبعثوا لقناصل الدول بتصريح يتضمن أنهم لا يتحملون أي مسئولية إذا بدأ الأجانب بالاعتداء فلما تلقي القناصل هذا الإنذار اجتمعوا وأصدروا إلي رعاياهم منشورا بالتزام الهدوء والسكينة. أما المذبحة بوجهة نظر عرابية فقد أكد عرابي علي بطء المهيئين لإخماد نار الفتنة وتمارض مأمور الضبطية وأشار عرابي بأصابع الاتهام إلي الخديوي توفيق ورجاله الذين تكاسلوا عن تفريق المقاتلين. وقد وصل الخديوي توفيق إلي الإسكندرية ثالث يوم من المذبحة حيث فسر العرابيون ذلك بأن ترك الخديوي لبلاده ما هو إلا حلقه في سلسلة خيانته لمصر وللمصريين وأنه ما جاء للإسكندرية إلا ليكون في حماية الأساطيل الأجنبية خصوصا إذا وقعت الواقعة وضربت هذه الأساطيل مصر. وتوالت الحكايات والشائعات في الأيام التي تلت المذبحة عن حرائق تشتعل في المدينة. وتطرق الكتاب إلي ما نشر في الأرشيف الوطني البريطاني عن المذبحة وتسميتها الأزمة العرابية وحكايات لأفراد عاشوا المذبحة وأفراد فروا هاربين وتركوا أموالهم ومستحقاتهم في البلد حكايات إنسانية من الملفات الإنجليزية. وقد اجتمع قناصل الدول الأجنبية الموجودون في الإسكندرية للتشاور في الأمر، وقرروا إرسال خطاب للأميرال الإنجليزي بوشامب سيمور محاولين إثناءه عن ضرب المدينة ومحاولين الوصول إلي حل يرضي الحكومة الإنجليزية وينقذ المواطنين واجتمعوا وكتبوا لائحة مفادها أن أطلاق المدافع سينشأ عنه ضرر عظيم يلحق بسكان المدينة من المسلمين النصاري وستتهدم أبنيه عديدة للأوروبيين وستضار مصالحهما ولكنه رد أنه عازم علي ضرب المدينة مؤكدا أن الضرب لن يمتد لداخل المدينة. وفي شهرا يونيو ويوليو تصاعدت الأحداث ففي البحر وعلي بعد 1500 متر من الشاطئ كانت ترابط قطع من الأسطول الإنجليزي تضم 8 مدرعات كبيرة و5 سفن خشبية ضخمة للمدفعية وسفينة للطوربيد وكان هذا الأسطول هو الأخطر في العالم وقتها. ومن الحكايات التي يحكيها نينيه أحد ضباط الخديوي توفيق أنه عندما سأل الخديوي صبيحة يوم الضرب عن ماذا سيحدث لهذه المدينة الكبيرة إذا ضربها الإنجليز وما هو رد فعل سكانها، رد عليه الخديوي قائلا (إن شاء الله تتحرق البلد كلها ولا يبقي فيها طوبة علي طوبة دي فرصة عظيمة حرب بحرب دي تقع علي رأس عرابي ورأس أولاد الكلب الفلاحين الجهادية علي الله الملاعين الأوروبيين يدفعوهم ثمن جبنهم ويخلوهم يهربوا زي الأرانب البرية). وضربت الإسكندرية في تمام الساعة السابعة صباحا يوم الثلاثاء11 يوليو1882 ولمدة 4 ساعات فتحت البوارج نيرانها علي المدينة بلا هوادة وتحول البحر إلي ساحة لاستعراض قوة أسطول الحكومة الإنجليزية وكما قال عرابي: لم يزيد عدد المقاتلين المصرين عن 700 مقاتل أما جون نينيه فقد قال إن نصف رماه القنابل (الطوبجيه) كانوا متغيبين في قراهم بسب الحجة الاقتصادية. وقد دكت معظم الحصون والطوابي وقتل عشرات المصريين ودفنوا تحت الأنقاض بينما لم تصب سفن الأسطول الإنجليزي إلا بأضرار بسيطة لا يرهبون الموت. وقد شهد العديد من القادة الإنجليز والأمريكان علي مدي بسالة المصريون في الدفاع عن مدينتهم فقد استخدم الرماة المصريين مدافعهم وهي مكشوفة في العراء وكأنهم في استعراض حرب وقد كان الأئمة يزورون الحصون ويشجعون المقاومة.