شهر بأكمله قضاه شعب الاسكندرية في قلق وفوضي وصراع ودماء.. فقد اندلعت فتنة بين السكان لسبب تافه.. ولكن هذا السبب تحول الي مشكلة وبدأت المشاجرات التي تطورت الي بحور من الدم.. ووجدت هذه الفتنة من يغذيها وهم الانجليز الذين كانوا يراقبون الموقف ويتحينون الفرص للانقضاض علي مصر. تبدأ الحكاية يوم 11 يونيو 1882 عندما استأجر أحد أبناء جزيرة مالطة من المقيمين في الاسكندرية ومن رعايا الانجليز استأجر حمارا من أحد المواطنين.. وظل الحمار يعمل مع المالطي النهار بأكمله وفي نهاية اليوم ذهب المواطن ليستعيد الحمار ويحصل علي الايجار وفوجئ بأن المالطي يصر علي دفع قرش واحد وبدأت مشاجرة بين الاثنين احتج فيها المواطن وراح يلعن ويسب المالطي الذي أسرع وطعن المواطن طعنة قاتلة وهرب إلي أحد مساكن الانجليز وفي الوقت نفسه تجمع عدد كبير من الأهالي واصدقاء القتيل للامساك بالقاتل الذي لم يلبث ان فر إلي أحد المنازل المجاورة ورأي اليونانيون والمالطيون الذين يسكنون هذه المنطقة هذه الجماهير الغاضبة واطلقوا عليهم النيران من الابواب والنوافذ بحجة الدفاع عن النفس وهم في الأصل لا علاقة لهم بالأمر وسقط الكثيرون من أبناء الاسكندرية ما بين قتيل وجريح.. وازداد غضب الأهالي وقاموا في ثورة عارمة وراحوا يطلقون النيران ويقذفون الحجارة علي كل أجنبي يقابلونه وتحولت الاسكندرية الي ميدان قتال بين الوطنيين والأجانب وسقط قتيل في هذه المعارك ضابط بالاسطول البريطاني وخادم الاميرال ومن الجرحي قنصل انجلترا في الاسكندرية وتشير الوثائق إلي ان عدد الضحايا بلغ 238 قتيلا من الجانبين الوطني والأجنبي. وهنا حانت الفرصة للانجليز وعلي الرغم من ان الذي بدأ العدوان كان أحد رعايا الانجليز إلا ان السلطات البريطانية ومعهم الخديو توفيق اسرعوا والصقوا التهمة إلي احمد عرابي وحزبه العسكري بينما الصق الوطنيون التهمة علي الخديو ورجاله الذي اظهر ضعفا وليعطي الانجليز شرعية احتلال البلاد وذلك للاتفاق مع مالت وكوكس القنصل البريطاني حتي تكون ذريعة للتدخل البريطاني. ويؤكد المؤرخون ان انجلترا هي المسئول الأول عن اندلاع هذه الفتنة فقد كان وجود اساطيلها في الاسكندرية هو الوقود الذي أدي الي اشتعال النار ومن الثابت ان انجلترا وزعت أسلحة علي الانجليز المقيمين في الاسكندرية قبل هذا الحادث ومضت أيام والناس في كرب وهلع وقامت الوزارة التي تم تشكيلها برئاسة أحمد راغب وتضمنت احمد عرابي كوزير للحربية. قامت بتشكيل لجنة تقصي الحقائق مذبحة الاسكندرية ولكن الانجليز تجاهلوا تماما الوزارة واللجنة ومضت تدعو الدول للتدخل المسلح لتأييد الخديو توفيق وحفظ الأمن في البلاد المصرية. وهكذا مضت بريطانيا طوال ثلاثين يوما في اتخاذ التدابير واختيار الوقت المناسب للانقضاض علي مصر والمصريين واستيقظ أهل الاسكندرية صباح يوم 11يوليو 1882 مع هدير المدافع وانفجارات القنابل واطلاق الرصاص في كل اتجاه في المدينة. والغريب ان العرابيين هم الذين سمحوا للاسطول البريطاني بأن يرسو بالميناء وكان باستطاعتهم أن يضعوا أمامه العراقيل التي تعوق حركته فيمنعهم من ضرب المدينة!! ولكن هذا ما حدث استغلت بريطانيا الفرصة واحتلت البلاد.. والآن فإن الخوف كل الخوف ان يستمر البلطجية في إثارة الشغب والفتنة واحداث الفوضي والقلاقل لأهداف غير مقبولة.. الشعب يريد الأمن بأي ثمن ولن يسمح باستخدام الحمار لتحقيق غاية.