كتبت قبلاً – على صفحات المصريون- عن الشيخ حازم أبو اسماعيل،وذكرت ساعتها أنه عندي من أفضل المرشحين، وتكلمت عن غلو بعض أتباعه فيه غلوا يجانب العدل ويقارب الشطط؛ ونحن أمة وسط. وقد قيل: المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحبّ. وكان يقال: لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً. أي: لا تسرف في حبك وبغضك. وقيل أيضا: أحبوا هونًا وأبغضوا هونًا؛ فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا، وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا.. وراعني بعد ذلك استمرار أصحاب هذا الغلو في غلوائهم وإفراطهم حتى صار بعضهم يفوه بالكلمة تورده المهالك – لو تدبرها– وهو غير مبال ولا عابئ ؛ فمِن سادس الخلفاء الراشدين – مع أنه لم يتول بعدُ لنحكم على عدله - إلى لعن من انصرف عنه، إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان حيا ما وسعه سوى مبايعة حازم!! إلى عبارات أخرى تجري في هذا المضمار يحتاج صاحبها إلى أن يتوب إلى الله ويستغفره مرارا مما قال ، ناهيك عن ألفاظ ثناءٍ ومديحٍ يخشى على سامعها من الفتنة بنفسه ولو كان من السلف الصالحين ، فكيف بأبناء هذا الزمان ونابتة هذا الأوان؟ على أن ذلك الغلو يضر أول ما يضر بحازم نفسه، ويخلق له أعداء كان في غنى عن عدائهم. وكنت قد هممت بمعاودة الكتابة والتذكير بهذا الأمر لِما رأيته من تخوين وتحقير لكل متأخر عن مبايعة حازم من أبناء الصف الإسلامي، فضلا عن غير المقتنعين بأنه رجل المرحلة وفارس الآونة؛ لكن جاءت أزمة جنسية والدة الشيخ حازم والتي أعقبها خروجه من السباق الرئاسي ، فما كان من اللائق أن أكتب في الموضوع ، وأن أَظهر كالمعين على المسلم، والمظاهر عليه في شدته، وأيضا، بدا لي أنّ أسباب الغلو المذموم قد تبددت بخروج الرجل من السباق – مع ما سبّبه هذا من أسى وحزن لأنصار الشيخ وغيرهم ممن كان يرى في الشيخ ظاهرة شعبية جديدة يحب أن يرى نتائجها في سباق حر وتنافس شريف ، لكن جرت الأقدار بخلاف ما تهوى المُهج وتترقب الأنظار. لكن الذي ظهر لي أن ظني في تبدد الغلو وانفراط عقد الإفراط لم يكن صحيحا ، ولا زال غلو بعض أنصار الشيخ على ما هو عليه إن لم يك في ازدياد. والذي يقلقك ليس هو كون أولئك الغلاة يصرحون بأنهم لا يجدون رجلا جديرا بصوتهم بعد خروج حازم أبو اسماعيل، أو أنهم سيقاطعون الانتخابات، ولا في حملة التخوين واللعن للأفراد والمؤسسات ممن لم يؤازر الشيخ في حملته الانتخابية أو في قضية الجنسية ، ولا حتى في الطعن في عقيدة خلق الله بالزعم بأن كل مَن يرى أن في المرشحين الموجودين الآن مرشحا إسلاميا فهو- أي: ذلك الرائي- مشكوك في عقيدته ! ( وإن كان لا يخفى أن هذا الإطلاق فيه تكفير مغلف قصده صاحب الكلام أم لم يقصده) - أقول : ليس منشأ القلق في التصريحات السابقة مع خطورتها، بل في لهجة التهديد التي بات يطلقها بعضهم من أنهم لن يتركوا الشخص المنتخَب يجلس علي العرش سنة واحدة، بل سيفضحونه وتياره ، وفي حال وقوع الاضطهاد والاعتقال كرد فعل على ذلك، سيقع إعلان الجهاد الداخلي لتطهير الساحة الإسلامية من رموزها الكاذبة والخائنة! هذا الكلام لم يصدر من مراهق على صفحات الفيس بوك ، بل من بعض مَن لهم ثقل وكلمة مسموعة في حملة حازم أبو اسماعيل . هذه الصورة القاتمة من التعصب لا توحي بحال من الأحوال بما يزعمه أولئك المتعصبون من أن حماسهم وتعصبهم كان لفكرةٍ لا شخص، ولمبدأ لا لقضية فرد. فالأمة لم تعقم أن يكون فيها كثيرون كحازم أبو اسماعيل أو أفضل من حازم حرصاً على الشريعة وتطبيقها ، ولا يمكن اختزال المشروع الإسلامي في شخص ؛ إما أن يقوم به هو أو ننفض أيدينا من الحياة السياسية ونقلبها رأساً على عقب. على أنني لا أكتمك القول : إن رفع شعار الشريعة الذي رفع حازماً إلى هذه الدرجة وبوّأه هذه المكانة بين الناس – ليس كفيلا في حد ذاته للوصول إلى المطلوب، ولو جرت الأمور على نحوٍ غير الذي جرت عليه، ووصل حازم أبو اسماعيل إلى كرسي الرئاسة، وواجه الواقع في تطبيق الشريعة - لرأينا الهوة السحيقة بين ما كان ينتظره أنصاره من مريدي الشريعة وبين ما أمكن تطبيقه منها ، ولست أشك أن اللعنات التي وجهها المتعصبون من قبلُ لمن لمْ يؤازر حازما -كان سينصب على حازم أضعافُها وقت تحمله المسئولية ومجابهة الواقع بمشاكله وبلاياه ، ولعله من حسن حظ الشيخ حازم أنه لم يكمل الرحلة وبقي محتفظا بمكانته ومنزلته عند جماهيره. أريد أن أضيف – كذلك- أن عداء الغرب لحازم أو غيره قد تجد فيه دليلا على أن ذلك الشخص المعادَى شريف المبدأ، أو إسلامي الفكرة، أو ليس خادما للسيادة الأمريكية ، وهو ما لا يحبذه أعداؤنا التقليديون؛ لكنه في الوقت ذاته لا يعني امتلاك ذلك الشخص لقدرات عقلية وإدارية خارقة لا توجد في غيره من المرشحين فضلا عن غيره من المصريين ، وهو لسان حال الذين يجعلون من حازم الزعيم الملهم الذي لن تقوم للشريعة أو للثورة قائمة بدون وجوده في سدة الحكم. إن من الخير للجميع من أبناء الصف الإسلامي أن يتعاونوا ويتكاتفوا ويصلحوا ذات بينهم ويتناصحوا بالتي هي أحسن، مع التخلي عن سياسة سحل المخالفين بأسلحة التخوين والعِمالة ونحو ذلك؛ لأن الجميع في مركب واحد ، وأنْ تنجو المركب وتصل إلى بر الأمان، وإنْ قادها مَن لا نحب ، خير من أن تغرق بنا جميعا! [email protected]