الدكتور حازم أبو إسماعيل، المرشح لانتخابات الرئاسة، - هو عندى- من أفضل المرشحين، أو أفضل المرشحين إلى الآن.. ولا ريب أن أنه عند الكثيرين من الناس على هذا النحو، ولكن ما يؤلمك ويحز فى نفسك أن كثيرين من أنصار الشيخ حازم والمؤيدين له، وبعضهم من المشتغلين بالعلم الشرعى أو بالشأن العام، صاروا يجعلون من مسألة تأييده ومبايعته مسألة ولاء وبراء دينى وسياسى، ففى الجانب الدينى من لم ير رأيهم فى حازم ولم ينضو تحت لوائه فهو " منصرف عن الشريعة وعن الدين وعليه لعنة الله"، أو"أن من لم ينتخبه وأعطى صوته لأحد الفجار فسيُسأل أمام الله"!! وفى الجانب السياسى: هو خائن للثورة عميل لأمريكا والغرب، أو للمجلس العسكرى والأمن الوطنى!! وما من شك فى أن الشيخ حازم يتمتع ب"الكاريزما" التى تجعل لصاحبها ألوفا وملايين من المعجبين والمؤيدين والمنبهرين؛ فالرجل له من القدرات والمهارات ما يجعله أهلا لاختيارك وتأييدك، كل ذلك لا غبار عليه، ولا حجر ولا تثريب على القائل به أو الداعى إلى الترويج له، لكن أن يدخل بعض أنصار الشيخ وهم محسوبون على التيار الإسلامى إلى حلبة الغلو المفرط وإضفاء الألقاب التى لا أظن الشيخ حازم يرضى بها، كقولهم بأنهم: "لم يروا مثله"، أو أنه "سادس الخلفاء الراشدين" أو "صلاح الدين"، أو زعم بعض المقربين والمناصرين للشيخ: بأنهم يعملون وفق منهج علمى لا يغفل صغيرة ولا كبيرة! أو أن الشيخ هو المتفرد دون غيره من الشيوخ، فضلا على المرشحين الرئاسيين، بالبصر بالعلل الحقيقيّة للتاريخ ومفاصله الفارقة! أو ربط تحفظ الغرب على حازم بأنه – أى حازم- مفتاح لعودة الأقصى وتحرير فلسطين !!... فكل هذا من الغلو الذى لا ينبغى وهو بالشيخ حازم أضر وعنه منفر. وهذا الغلو ينتج عنه ما سبق ذكره فى أول المقال من ربط الحرص على الشريعة بمبايعة حازم والانصراف عنها بالانصراف عنه، أو الإفتاء بعدم جواز مزاحمة حازم فى الترشح إلى غير ذلك من الأمور المبكية. والأقبح فى الأمر أن كل تلك اللعنات والشتائم والتهم منصبة على بعض قيادات ورموز من التيار الإسلامى لم تعلن بعدُ تأييدها لحازم أو غيره، وأضحت هذه جريمة لا تغتفر وتولٍ عن الزحف وخذلان للإسلام وأهله، وكأنه لزام على كل أحدٍ أن يرى فى الشيخ حازم ما رآه هؤلاء وأن يُنزل عليه تلك الصفات، ويقر بتلك النعوت التى ينعتونه بها. أى جرم عند من لم ير فى الشيخ حازم الرجل الأنسب للمرحلة مع إقراره بفضله؟ أليس هذا محض حق شخصى له؟ أم أن أفضلية حازم على غيره باتت من المعلوم من الدين بالضرورة، ومما لا مجال فيه للاجتهاد فلا يعذر المخالف فيها، بل تصب عليه اللعنات وترمى عليه التهم الشنيعة لمجرد أنه لم يبادر إلى تأييد حازم فضلا عن تأييد غيره؟! ومن المؤسف حقا الزج بالمآخذ والتخريجات الشرعية فى هذه المسألة التى تسير وفق القواعد الديمقراطية المحضة لا القواعد الشرعية، كترشح المرأة وغير المسلم، وجعل اختيار الحاكم لعموم المواطنين وليس أهل الحل والعقد، ونحو ذلك مما اتخذ سبيلا لتنصيب ولى الأمر.. فسبيل العدل: أننا إما أن نمضى فى ذلك إلى آخره ولا نحجر على اختيار مواطن ولا رمز ولا شيخ ونعطى الجميعَ الحق الكامل فى الاختيار والتأييد، وإما أن نجانب هذه العملية الديمقراطية كلها ونتمسك بالتصور الإسلامى، لكن أن نأخذ بالديمقراطية بصورتها الحالية ثم نؤثم ونخطئ ونلعن من اختار غير ما اخترنا، ورأى غير ما رأينا، مع أن اختياره لم يخرج عن إطار تلك الديمقراطية التى نمشى عليها؛ فهذا جور لا ينبغى وتنكب عن طريق الإنصاف لا يصح. ولا أدل على ما ذكرته من أن بعض القساوسة أعلنوا تأييدهم للشيخ حازم، ولا ريب أن ذلك التأييد ليس مرجعه أنهم ينتظرون من الشيخ تطبيق الشريعة أو تحرير الأقصى، بل اقتنعوا ببرنامج الرجل السياسى والاقتصادى، ونحو ذلك، فهل يا تُرى من لم يقتنع بذلك يصبح مستحقا لكل ذلك الإرهاب الفكرى والانتقاص الدينى والعقلى والخلقى الذى يمارسه المغالون فى الشيخ ضد مَن لم يبايعه؟ بقى أن أشير إلى أمر خطير طالما غفل عنه المغالون فى حازم، ولربما سيحملهم على الطعن فيه والانقلاب عليه لاحقا إن قدر الله له الفوز بالرئاسة، وذلك أن عليهم أن يدركوا أن الشيخ حازما ليس هو المهدى المنتظر الذى ستكون نهاية اليهود على يديه، أو أنه الرجل الذى ستنقلب على يديه موازين القوى العالمية فى عشية أو ضحاها، أو أنه سيطبق الشريعة فى اليوم الثانى لحلف اليمين. فالأوضاع العالمية من: تحالفات ومعاهدات وموازين قوى، من التعقيد والتراكم والتداخل والتشابك والصعوبة، ما يجعل تغييرها فى أربع سنوات ضرباً من الخيال أو الوهم. ونفس الأمر لتطبيق الشريعة فى مصر فالأمر يحتاج إلى تدرج وإلا فالعجلة والمباغتة قد تؤدى بالتجربة إلى الفشل، وهو ما نبه عليه حازم نفسه حيث أشار فى بعض الأحاديث الحوارية ذات الطابع المفخخ حول الخمور أو نحوها أنه قد تنقضى الفترة الرئاسية ولمّا نصل إلى تلك الأمور موضع المناقشة. أما المشكلات الاقتصادية ونحوها فى الشأن الداخلى فمواجهتها والتغلب عليها من الصعوبة بما لا يحتاج إلى توضيح، كل ذلك وغيره يدعو إلى عدم الاسترسال فى الأحلام الوردية، فضلا عن اللهث وراء إضفاء الألقاب والصفات المستقاة من ثقافة تأليه الحاكم المنتشرة فى عالمنا العربى. وفق الله الشيخ حازم لما فيه الخير لمصر وأهلها.