تلاعُب السلطة بالمشهد الرئاسى فى الأيام الأخيرة وحَّد القوى السياسية مجددًا، وعادت المليونيات إلى الميادين مستعيدة روحَ الثورة وعافيتها.. ويبدو أن رؤيتنا بشأن دور "الميدان" فى رقابة الأداء السياسى للقوتين الكبيرتين اللتين تتقاسمان السلطة الآن : المجلس العسكرى والبرلمان، كانت أقرب ملامسة لخصوصية اللحظة التاريخية. المُفرح أن "وَحدة الميدان" تأتى بالتزامن مع "مراجعة المواقف"، وتنامِى نزعة "التوافق" بشكل يؤسس لقطيعة مع "شغب" و"طفولية" عام مضى، وبات الكلام عن مرشح الثورة أو مَن يناظر "الرئيس التوافقى" قاسمًا مشتركًا مع كل القوى السياسية التى خرجت كلها تقريبًا "مهزومة"، وما انفكَّت تلملم جِراحها بعد "لكمة" العليا للانتخابات، والتى جاءت "تحت الحزام" منتهكة قوانين وقواعد اللعبة. انتهى الدرس، وبقى اختبار الأيام التالية، ولن يُجدى معه "شرعية" البرلمان، العاجز عن انتزاع صلاحياته، والذى جاء بدون "أجندة" واضحة ما أحاله إلى نادٍ للثرثرة.. ولم يفق من غيبوبته إلا على نائب مبارك، وهو يدق أبواب اللجنة العليا للانتخابات. الميدان بدأ فى استعادة "هويته" بعد أن شُوهت مؤخرًا، وتحوّل ميدان الثورة.. إلى شىء آخر ومكان بدت ملامحه، وكأنه خارج الحداثة وينتمى إلى عصر ما قبل ظهور الإنسان "الحضارى"على الكرة الأرضية. البرلمان ظل خارج "الخدمة" أمام ممارسات اللجنة العليا للانتخابات.. ففى حين تدفقت الانتهاكات بحق بعض المرشحين الأقوياء، وبدون أى سند قانونى واضح وقاطع.. ظل البرلمان مشغولاً بملفات أخرى، وب"جدل دستورية" قانون العزل، رغم ما اتضح لاحقًا، أن عمر سليمان لم يكن أكثر من ورقة للابتزاز، واستُخدِم فقط للتغطية على استبعاد أبو إسماعيل والشاطر، وكان بإمكان مجلس الشعب أن يدخل طرفًا فى الموضوع ولأحال القضية كلها إلى ما يُشْبه أزمة سياسية؛ إذ كانت الانتهاكات مستنسَخة من خبرة دولة مبارك وأجهزته الإدارية بكل سيرتها الذاتية سيئة السمعة. سكت البرلمان؛ لأن ما حدث ل "أبو إسماعيل"، صادَفَ هوى فى نفسه.. فهو المرشح الذى يرفضه الإخوان .. وتحفظت عليه المرجعيات الدينية الرئيسة داخل الدعوة السلفية لرؤيتها الخاصة بمقتضيات اللحظة، وأن رئيسًا محسوبًا على التيار الإسلامى وفى هذه الظروف الصعبة سيكون عبئًا على البلاد والإسلاميين وعلى المستقبل السياسى للحركة الإسلامية فى مجملها.. وفى سياق خلط "المزاج السياسى" ب"الحق القانونى".. وهو خلط بالغ الخطورة؛ إذ يجعل ل"المزاجية" سلطة قهر على القانون وعلى الحقوق العامة التى كفلها الدستور ، ما يؤسس ل"دولة البلطجة" من جديد. يظل الميدان إذًا وفى هذه المرحلة، وظيفة تصحيح المسار، وحمْل أجهزة الدولة على عدم الانحراف بالسلطة وسوء استخدام "الحصانة"؛ باعتبارها مسؤولية وتكليفًا وليست تشريفًا. [email protected]