أثار مقالى يوم 27 يناير حول" الميدان.. وقانون الطوارئ" بعض الجدل، ووصلتنى رسائل عتاب كثيرة من قُراء ومحبين ل"المصريون".. فضلا عن التعقيبات التى وردت على المقال فى الموقع الإلكترونى للجريدة.. وفهمت مما وصلنى واطلعت عليه، بأننى أعطى الأولوية ل"شرعية" الميدان على "شرعية" البرلمان. والحال أننى لم أكن يومًا منحازًا لأية شرعية تأتى من خارج الأُطر الديمقراطية، وما حدث فى 25 يناير عام 2011 وفى الأيام التى تلته، إلى سقوط مبارك فى 11 فبراير 2011، كانت حركة ذات شرعية ثورية حقيقية، لأن النظام آنذاك كان مغتصبًا للشرعية وللدستور وكان محض عصابة اختطفت البلد، وأحالتها إلى "بقرة حلوب" لعائلة مبارك ورجال أعماله الفاسدين. وعندما تحدثت عن شرعية الميدان فى الذكرى الأولى للثورة، فإننى كنت شديد الوعى بالقسمة التى آلت إليها البلد، وهو وجود الجيش فى السلطة، والأغلبية الإسلامية فى البرلمان.. ولا شك فى أن الوضع على هذا النحو، أوجد قدرًا من القلق، والمدهش أن القلق لم يكن حصرًا على القوى السياسية التى تُسمى ب"المدنية" والمناهضة بطبيعة الحال للعسكر وللإسلاميين.. وإنما ثمة مخاوف أيضًا تنامت وسط قطاع ليس بالقليل من التيار الإسلامى، سواء من وجود الجيش فى السلطة، أو من الخبرة السياسية الجديدة للتيار الإسلامى وحجم التحديات فى فترة هى الأصعب فى تاريخ مصر كله. ولعل من تابع جلسة الإجراءات لمجلس الشعب، يلحظ حجم المزايدة على الميدان.. وفى المقابل وضع المجلس العسكرى الميدان أيضًا على أجندة "استجاباته".. فكلاهما كانت عينه على ما يرفعه ميدان التحرير من مطالب.. ما يعنى أن المرحلة الانتقالية "الهشة" بطبيعتها ينبغى أن تكون تحت رقابة "الشرعية الثورية".. والتى تمثلها ميادين مصر كلها.. والمقصود هنا هى "الميادين" المسئولة و"التوافقية" أى تلك التى ترسم لوحتها الطيف الوطنى المصرى كله، تحت مظلة توافق عام تجمعه وحدة قوة الثورة.. وليس "الميدان" الإقصائى المختطف من قوة سياسية واحدة، تحاول أن تفرض وصايتها على الشعب كله.. وليس أيضًا الميدان "العدوانى" والمتحفز للتخريب والاعتداء على المرافق العامة. لا يمكن بحال الانتقاص من شرعية البرلمان.. فهو الشرعية الوحيدة الحقيقية فى مصر الآن.. وهى شرعية صلبة تمثل "متن" المشهد السياسى المصرى فى هذه اللحظة، فيما تظل "شرعية" الميدان، شرعية مؤقتة واستثنائية ستنتفى تلقائيًا، مع انتفاء وجودها بهذا الزخم الكبير، وذلك حين يسلم الجيش السلطة لحكومة مدنية منتخبة، وحين يستقر أداء مجلس الشعب ولا يتحول إلى أداة فى يد جماعة سياسية لتفصيل واقع سياسى على مقاسها. [email protected]