لم تكد تمر أيام على اعتقال رئيس مفوضية الانتخابات في العراق فرج الحيدري, إلا وظهرت مؤشرات جديدة حول أن المخطط الذي ينفذه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدعم من إيران لن يتواني عن فعل أي شيء حتى لو وصل الأمر إلى تقسيم بلاد الرافدين. ففي 16 إبريل, اتهمت الكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي المالكي بمحاولة السيطرة على البنك المركزي من أجل تمويل التبذير الحكومي ودعم إيران وسوريا اللتين تتعرضان لحصار وعقوبات اقتصادية. وقالت النائبة ميسون الدملوجي المتحدثة الرسمية باسم الكتلة العراقية في بيان لها إن كتلتها تتابع بقلق شديد تصاعد محاولات المالكي للسيطرة على البنك المركزي، الذي هو من الهيئات المستقلة المرتبطة بمجلس النواب والتي حصنها الدستور والقانون من أية تدخلات حكومية. وأضافت الدملوجي أنه يتضح بشكل متزايد أن محاولات التسلط على البنك المركزي يقصد منها أمران خطيران هما: الاستحواذ على غطاء العملة العراقية المتمثلة باحتياطي البنك المركزي، والتحكم بإصدار العملة لتمويل التبذير الحكومي من جهة، ودعم دولتين مجاورتين تتعرضان للحصار الاقتصادي من جهة أخرى. وتابعت" كل هذا يتم والعملة العراقية تتعرض لضغوط كبيرة من دول الجوار التي تنهار عملاتها في الداخل، وتحاول تصدير مشاكلها المالية النقدية إلى العراق ولن يتحقق الدفاع عن قيمة الدينار العراقي إلا ببنك مركزي رصين ومستقل قادر على حماية غطاء العملة ومسيطر بالكامل على إصدار العملة وطبعها، وفق معايير صارمة". ودعت الدملوجي مجلس النواب والقادة السياسيين والمجتمع المدني وكل أبناء الشعب العراقي إلى الوقوف بوجه هذه الهجمة المشبوهة ودوافعها الخارجية للحفاظ على استقلالية البنك المركزي. وفي السياق ذاته, حذر صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي لشئون الخدمات من انهيار العملة المحلية "الدينار" وإضعاف الاقتصاد وتعرض المال العام لمخاطر إذا تدخلت حكومة المالكي في شئون البنك المركزي ومست استقلاله. واعتبر المطلك أن قرار تأجيل حذف الأصفار من الدينار يعكس سيطرة الحكومة على البنك المركزي وربطا غير معلن له بها، محذرا من أن هذا الربط سيؤدي إلى ضعف العملة العراقية وإضعاف البلد اقتصاديا. وشدد على أن البنك المركزي مسئول عن إدارة نحو 100 مليار دولار من واردات الحكومة والبنوك والاحتياطي من النقد الأجنبي، وأن احترام استقلال الهيئات غير الخاضعة لسلطة الحكومة لا سيما البنك المركزي هو جزء من ديمقراطية العراق الجديد. ويخوض المطلك, وهو قيادي سني بقائمة العراقية, صراعا سياسيا معلنا مع المالكي الذي كان قد طلب رسميا من البرلمان مؤخرا إقصاءه من منصبه ومنعه من مباشرة مهامه الرسمية. وبالنظر إلى أن محاولات المالكي ربط البنك المركزي العراقي, الذي يمثل هيئة مستقلة حسب الدستور, بمجلس الوزراء, جاءت بعد تحميله مسئولية اعتقال رئيس مفوضية الانتخابات فرج الحيدري في 12 إبريل لأنه رفض إلحاق المفوضية برئاسة الوزراء, فقد حذر كثيرون من أن المالكي يخطط للسيطرة على السياسات المالية والاقتصادية بالتوازي مع سيطرته على القرارات السياسية والأمنية والعسكرية لإحكام ديكتاتوريته في عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي. فرئيس الوزراء العراقي لم يكتف بتهميش الطائفة السنية وإقصاء خصومه السياسيين وإنما ركز أغلب السلطات في يده, حيث أنه رئيس الحكومة ووزير الدفاع بالوكالة ووزير الداخلية (بالوكالة) والقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المخابرات, كما يصر المالكي على تشكيل جيش "مليوني" يدين بالولاء له, وتقوية جهاز المخابرات وجعله مرتبطاً به. وتجمع الأوساط السياسية العراقية على أن المالكي يستند في ترسيخ سلطته المطلقة إلى دعم إيراني صريح وعملي, حيث باتت ملامح المشروع الإيراني في العراق تتضح أكثر وأكثر, خاصة بعد انتهاء القمة العربية التي عقدت في بغداد أواخر مارس الماضي. بل ورجح كثيرون أن محاولات المالكي السيطرة على الهيئات المستقلة مثل البنك المركزي ومفوضية الانتخابات تأتي في إطار مساعي إيران لترسيخ ديكتاتورية المالكي بسبب شعورها بقرب سقوط النظام السوري, حليفها الأساسي في المنطقة, ولذا اضطر الإيرانيون إلى تسريع تنفيذ مشروعهم في العراق, بغض النظر عن تداعياته الخطيرة, ورغم المخاوف الفعلية من نشوب حرب أهلية - طائفية. ويستند الإيرانيون في تنفيذ مخططهم إلى الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق نهاية العام الماضي والغياب العربي عن الساحة العراقية لأسباب مختلفة. ويبدو أن المشروع الإيراني يضع العراقيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالمالكي ديكتاتوراً, وإما تقسيم العراق وإقامة دولة شيعية في محافظاته الجنوبية التسع تكون امتداداً لإيران ومشروعها السياسي في المنطقة. ففي 13 إبريل, كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب حامد المطلك عن مخطط إيراني يستهدف تقسيم العراق وإقامة دولة شيعية في جنوبه, تكون امتداداً لها, بعد فشل حليفها رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في بسط سيطرته التامة على السلطة وإخضاع السنة العرب والأكراد. ونقلت صحيفة "السياسة" الكويتية عن المطلك القول إن تصاعد الخلافات بين المالكي من جهة وبين ائتلاف "العراقية" بزعامة إياد علاوي وحكومة إقليم كردستان من جهة ثانية يرجع إلى كشف السنة والأكراد المخطط الإيراني. واتهم المطلك, وهو قيادي في ائتلاف علاوي, إيران بتعميق هوة الخلافات الداخلية العراقية والسعي إلى تصعيد الخلافات بين الشيعة والسنة والأكراد في إطار مخطط استراتيجي يهدف الى أمرين: الأول تمزيق وحدة العراق وإشعال مواجهة طائفية بين أبنائه, والثاني التمهيد لقيام دولة شيعية تكون امتداداً لإيران ومرتبطة سياسياً بها في المحافظات الجنوبية التسع. وفي السياق ذاته, ذكر الباحث الأكاديمي العراقي خضير عبد الحسين أن وجهة نظر الحرس الثوري الإيراني تتلخص بأن العراق لن يساند طهران في صراعها مع دول مجلس التعاون الخليجي طالما بقي موحداً, وسمح للسنة والأكراد بأن يكونوا جزءاً من القرار السياسي بشكل أو بآخر. وأضاف أنه هناك خيارين أمام الحرس الثوري الإيراني, إما تقسيم العراق وقيام دولة شيعية في الجنوب خالصة الولاء السياسي لإيران, وإما تمكين المالكي من الاستيلاء الكامل على المواقع الحيوية للدولة العراقية وإخضاع السنة والأكراد لهيمنة شيعية مطلقة, مشيراً إلى أن الخيار الثاني يبدو صعبا لأن السنة والأكراد كشفوا حقيقة المخطط مبكراً. وبدورها, أكدت الباحثة العراقية في الشئون الإيرانية مريم النعيمي أن طهران لن تقف عند حدود إقامة دولة شيعية في جنوب العراق, وإنما تخطط في مرحلة ثانية إلى خلق اضطرابات في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل واسع, لاسيما في البحرين والكويت وشرق السعودية, ليتم بعدها احتواء منطقة الخليج بالكامل لصالح النفوذ الإيراني بدعم من حكومة شيعية قوية ومهيمنة في بغداد أو دولة شيعية في جنوب العراق. وبصفة عامة, يحذر كثيرون من أن ديكتاتورية المالكي ستدخل العراق عاجلا أم آجلا في دوامة جديدة من العنف, خاصة في ظل استفحال الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة والقومية بين العرب والأكراد, بالإضافة إلى تفشي الفساد في غالبية مؤسسات الدولة.