قامت الدنيا ولم تقعد بعد فتح باب سحب استئمارة الترشح للانتخابات الرئاسية فى العاشر من مارس الجارى؛ خاصة عندما تقدم المئات من أفراد الشعب المصرى بمختلف طبقاتهم ومهنهم ومستوياتهم لسحبها، حيث كان من بينهم: الحانوتى والنقّاش واللص التائب وعامل النظافة والقهوجى.. إلخ، الأمر الذى دفع الكثير من الإعلاميين والصحفيين من أصحاب الرأى إلى سَن أقلامهم وتسليك حناجرهم؛ ليشنوا حرباً شعواء ضد راغبى الترشح من الطبقة الكادحة التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير، معتبرين مجرد إقبال مجموعة منهم على خُطوة سحب الاستئمارة مهزلة وخطيئة لا تُغتَفَر، كما أن فى ذلك - حسبما يرون- ضياعاً لهيبة منصِب الرئيس وعدم احترام وتقدير منهم لأعلى وأخطر منصب فى الدولة، التى شوّهوا ولوثوا بفعلتهم هذه صورتها أمام العالم كله!، حيث طالبوا اللجنة المسؤولة عن الانتخابات الرئاسية بوضع شروط تعجيزية، مثل إجبار الراغبين فى سحب استئمارة الترشح على دفع مبلغ من المال لا يمكنهم جمْعه، أو الحصول على توكيلات من عدد كبير من أفراد الشعب والأحزاب ونواب البرلمان لمجرد سحب الاستئمارة!، حتى تكون محاولة الترشح لمنصب الرئاسة حكراً ومقصورة فقط على الأغنياء والمشهورين وذائعى الصيت ممن تدعمهم أحزاب وجماعات وحركات وتلمعهم صحف وقنوات فضائية! فى الحقيقة لا أرى سبباً منطقياً لهذا الهجوم من النخبة التى تصر على فرض وصايتها على المصريين بصفتها الأكثر فهماً وإدراكاً وعلماً بكل شىء، فبعد أن كانوا يناضلون لسنوات طوال من أجل استبدال الذى هو أدنى - أقصد "الاستفتاء الظالم"- بالذى هو خير وهو أن يأتى رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب الحر النزيه، ها هم الآن يستكثرون الفرحة على كل مَن سحب استئمارة الترشح - أياً كانت نيته أو هدفه- ويسلبونهم حقوقهم فى الحلم والتمنى وإعلان الرغبة فى المشاركة فى الحياة السياسية لأول مرة فى تاريخ مصر، التى لم يكن للديمقراطية وحرية الاختيار مكان فيها يوماً ما لكثرة الطغاة المستبدين ومعاونيهم الفاسدين، الذين مروا عليها وسرقوا خيراتها وثرواتها وقهروا واستعبدوا شعبها، واستأثروا بكل المناصب والممتلكات والأموال، ولم يتركوا شيئاً إلا وأفسدوه ودمروه حتى يعجز الشعب المصرى عن النهوض والتخلص من ويلات ما فعلوه بسهولة! أرى أيضاً فى هجوم النخبة الضارى على هؤلاء اتهاماً ضمنياً للناخبين بعدم القدرة على التمييز بين الصالح والطالح والتفريق السليم بين مَن يستطيع خدمة البلد والمواطنين حقاً ويكون له رؤية وبرنامج انتخابى عالى المستوى، ومَن لا يستطيع خدمة نفسه ولا يمتلك أية مقومات أدبية وفكرية وسياسية، ولم يسحب الاستئمارة إلا بهدف التذكار، أو الحصول على "شو" وتسليط إعلامى، سواء أكان خبرًا فى جريدة أو استضافة فى برنامج! أرجوكم دَعُوا كل مصرى يعبر عن فرحته بسنة أولى حرية على طريقته، وفى النهاية لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وبدلاً من الهجوم المستمر والسخرية من بعض المرشحين والتحقير من شأنهم، قُوموا بتوعية الناخبين بحقوقهم ودورهم فى الحياة السياسية الجديدة لأول مرة، وحثّوهم على أمانة الاختيار والأخذ بالأسباب وضرورة التحلّى بالإيجابية ودراسة برامج المرشحين حتى يتمكن من الفوز مَن هو أصلح وأجدر لهذا المنصب الخطير والحساس. اللهم وَلِ أمورَنا خِيارَنا ولا تولِ أمورَنا شِرارَنا، ولا تسلّطْ علينا يا ربنا مَن لا يخافك ولا يرحمنا، واكفنا شر تزوير الانتخابات واللعب بإرادة الناخبين، آمين يا رب العالمين. [email protected]