عانت مصر عقودا من الظلم والجور والفساد والفقر ،ثم طلع فجر الثورة فاستبشر الناس خيرا، ورجوا أن يكون كل ما عانوه من ظلم واستبداد واضطهاد وسرقة وضنك عيش- شىء من الماضى يحكون لأولادهم أنه كان يوما فثاروا ضده وغيرّوه. لكن الذى ينظر إلى واقع ما بعد الثورة يرى اختلافا ،وصراعا،وتناحرا ،ومؤامرات،ودسائس ،واضطرابات، وفوضى، وترنحا اقتصاديا، وقائمة طويلة من المشكلات. والسبب الرئيس فى نظرى وراء كل ذلك هو التمحور حول المصلحة الشخصية أو المؤسسية أو الحزبية أو الأيديولوجية وتقديمها على مصلحة الوطن العليا التى كان من الواجب على كل الأطراف والأشخاص تقديمها على مصالحهم وأطماعهم. دقق النظر وأمعنه فى كل تلك المشكلات والصراعات السياسية وما يترتب عليها من اضطرابات وقلاقل تجعلنا ندور فى حلقة مفرغة،وكلما تقدمنا خطوة رجعنا خطوات. إنك لترى كل طرف فى السلطة أو فى المعارضة يكاد يتقوقع حول مصالحه السياسية أو الفكرية أو المادية ،فإن سار القارب بما هو متوافق مع ذلك وإلا أصر على إيقاف حركته وتغيير اتجاهه ،حتى وإن أدى ذلك إلى غرق القارب بمن فيه جميعا. إننى أتحير حين أبحث عن موضع مصلحة الوطن العليا عند تلك التيارات وأولئك الأشخاص الذين يقودون الحراك السياسى فى مصر أو يؤثرون فيه ظاهرا أو باطنا. هل الانتماء وحب الوطن لا يتجاوز عندنا مجرد شعارات براقة وكلمات طنانة يقولها المسئولون فى المؤتمرات أو المعارضون فى المظاهرات؟ تلمس معى الحس الوطنى والضمير الجمعى فى الفترة الانتقالية لكل القوى الفاعلة فى المشهد السياسى حكومية أو معارضة ،حزبية أو شبابية ،تجد صنم المنفعة الذاتية ( شخصية أو جماعية) هو معبود الجميع وملهمهم،والعائق فى سبيل بناء سياسى متين لهذا الوطن الذى يبدو وكأن انتماء أهله إليه دون القدر الذى تقوله ألسنتهم. إننى أتساءل :أكثير هو على مصر أن يتجرد العسكر من مطامعهم فى السلطة أو فى تمتعهم بوضع خاص فى الدستور القادم أو بمميزات كرّستها لهم أنظمة قمعية مستبدة. أكثير على مصر أن يتخلى فلول الوطنى عن حياكة المؤامرات وممارسة الثورة المضادة؟ ألا يكتفون بما نهبوه وسرقوه فيتركوا البلد لتنتعش وتتعافى مما صنعوه بها؟ أكثير على مصر أن يتخلى الإخوان والسلفيون عن التقوقع حول الذات ويمدوا أيديهم للتيارات الليبرالية والشبابية ليشاركوهم بناء هذا الوطن الذى هو فى حاجة لكل يد تبنى. أكثير على مصر أن تتخلى القوى اليسارية والعلمانية عن عرقلة المسيرة الوطنية لأنها جاءت بخصومهم ؟ أما آن لهم أن يتجاوزا الفكر الاستبدادى " إما نحن وإما الفوضى"؟ أكثير على مصر أن يضحى النشطاء السياسيون بالأضواء والنجومية السياسية التى بات لا سبيل لهم إليها الآن إلا فى ظل إحداث القلاقل ونشر الاضطرابات؟ أكثير على مصر أن يعمل كل فرد من أبنائها على نهضتها ورفعتها دون اشتراط تصدر المشهد وقيادة القافلة؟