تقديري أن ترشيح مصر للسفيرة مشيرة خطاب أمينا عاما لليونسكو جانبه التوفيق، مثل هذا القرار يمثل استمرارا لسياسة غير مفهومة في اختيار الأشخاص للمناصب الداخلية، والمواقع الخارجية. لا أحد يعرف لماذا يختارونها هى تحديدا لتلك المنافسة على أحد أهم المناصب الدولية الرفيعة؟، ولا أحد يعرف لماذا تتقدم مصر للمنافسة على المنصب رسميا للمرة الثانية في ظل ظروف غير مواتية، وليست أفضل من ظروفها في الترشح الرسمي الأول لهذا المنصب قبل 7 أعوام؟، وما هى أوراق وحسابات الفوز هذه المرة بعد الخسارة السابقة؟، لا أحد يجيب أو يتحدث، هناك غياب للشفافية. طرح اسم مشيرة خطاب للمنافسة الدولية هل جاء بعد فرز قائمة أسماء طويلة وكانت هى من بينهم؟، وهل كان الفيصل في اختيارها هو نصاعة التقرير الأمني عنها؟، فالملاحظ أن تقارير أجهزة الأمن صارت أساسا في ترشيح الشخص للمناصب بغض النظر عن درجة علمه وموهبته وكفاءته وجدارته لحيازة المنصب، وتقارير الأمن ثبت في وقائع عديدة أن من قامت بتزكيتهم لم يكونوا فوق مستوى الشبهات. إذا كانت هناك شفافية وعدالة في الاختيار، وفي تقديم المؤهلات وأهل الخبره على أهل الثقة في الدفع بشخصية تنافس على منصب الأمين العام لليونسكو فلن تكون مشيرة خطاب، ولن يكون أحد من التكنوقراط في دوائر الحكم، بل أكثر من يحضرني هنا هو الروائي والطبيب علاء الأسواني، فهو الوجه الثقافي القادر على التعبير عن مصر حاليا، والمعروف في العالم بإبداعه الأدبي والفكري، وهو الأقدر على أن يكون حاضرا في تلك المنافسة. لماذا فعلا لم يكن الأسواني؟. هل لم يرد على ذاكرة من فكر في الأسماء فانحصر تفكيره في مجموعة التكنوقراط داخل الأجهزة التقليدية للدولة ولم يتجاوزها؟، ألم يخرج تفكيره من الصندوق ليرى هذا الأديب ؟، أم أنه رآه وفكر فيه ثم وجد أن بينه وبين النظام مسافة فاستعاذ بالله من شيطان يلح عليه باسمه؟، إذا كانت مصر تتغير فعلا لكان الأسواني أو شخص آخر مثله يتمتع بالوجاهة واللياقة للمنافسة هو المرشح الآن، لكن لأن المرشح الرسمي خرج من نفس المعمل المعتاد في تخليق الشخصيات في الإدارة المصرية العتيقة فإن هذا يعني أن مصر لا تتغير، بل من المدهش أن تكون مصر في عهد مبارك أفضل بدرجة واضحة من مصر اليوم بعد ثورة 25 يناير في اختيار من تدفع به للمنافسة في هذه المحافل، فهى عندما قدمت وجها رسميا لليونسكو فإنه كان وزير الثقافة آنذاك فاروق حسني، وهو مقارنة ب مشيرة خطاب أفضل كثيرا رغم ما أُخذ عليه من تحفظات، وما تعرض له من نقد، وقد خاض معركة ساخنة وخسر فيها من الدورة الثانية بصوتين فقط، وعندما ترشح الدكتور إسماعيل سراج الدين عام 1999 ودون أن تدعمه مصر، وفضلت عليه المرشح السعودي الدبلوماسي والشاعر الراحل غازي القصيبي فإن سراج الدين أثار الاهتمام بشخصيته ذات الثقل والحضور دولي. قد تكون السيدة مشيرة دبلوماسية متميزة، لكن اليونسكو بحاجة لشخصية ثقافية وفكرية وعلمية وتربوية رفيعة، يكون لها إسهامات في بلدها، وخارج بلدها في هذه المجالات، فما هو إسهامها في مجالات عمل ونشاط اليونسكو؟، أزعم أن الغالبية العظمى من المصريين لم يسمعوا باسمها من قبل لا سفيرة ولا وزيرة سابقة مع تقديرنا لشخصها. المحير في الأمر أن مصر تعلم أن قطر رشحت رسميا أحد أبرز مثقفيها ومفكريها لليونسكو، وهو الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري الذي سبق وتولى وزارتي الإعلام والثقافة في بلاده، وهو شخصية معروفة دوليا وله اسهاماته وحضوره الثقافي في مختلف المنابر ومنها اليونسكو، وهو يحظى بتأييد دول مجلس التعاون الخليجي، وهو تأييد مهم يضمن له مكانة وفرصة كمرشح خليجي عربي آسيوي. والكواري بدأ نشاطه الدولي منذ أشهر كمرشح لليونسكو بزيارة عدد كبير من الدول، وهو يعمل بجدية وبلا كلل في عرض مشروعه الثقافي على العواصم التي يزورها لنيل دعمها، وواضح أنه خطط لحملته ويقودها بشكل جيد، وهنا تدخل السيدة مشيرة كمرشحة عربية أخرى، فلمصلحة من وجود أكثر من مرشح عربي، ونشوء صراع عربي عربي كما حصل مع القصيبي عام 1999، ومع فاروق حسني عام 2009 حيث كان هناك مرشح جزائري، وإذا سلمنا بالسلوك العربي المعتاد وهو تنافس العرب مع بعضهم البعض في المنظمات الدولية حتى في الاتحاد الدولي لكرة القدم وهو ما يصب غالبا لصالح غير العرب فأين التخطيط لحملة السيدة مشيرة؟، وأين ستتحرك بينما هناك من يسبقونها وينالون دعم العواصم التي لها صوت في المنظمة الدولية؟، بل إين البروز الدولي لها؟. وإليكم مثلا تلك المفارقة التي نشرتها مواقع مصرية بحثت عن سيرتها وتاريخها ومعلومات عنها عقب إعلان ترشيحها رسميا وقد فوجئ المتابعون والباحثون على مواقع الإنترنت بعدم معرفة الموقع الأكبر والأشهر عالميا "ويكيبيديا"، بالسفيرة والوزيرة المصرية السابقة، وعدم احتواء الموقع على معلومات عنها سوى ضمن صفحة خاصة بحكومة سابقة حيث كانت تشغل فيها منصب وزيرة الدولة للأسرة والسكان، بينما يتواجد مرشح قطر الدكتور حمد الكواري على ويكبيبديا بثلاث لغات هى: العربية، والإنجليزية، والفرنسية. إذا كانت مصر تقدم وجها نسائيا أملا في استمالة الدول الأعضاء لها، فقد سقطت هذه الورقة، حيث سبقت بلغاريا وقطفت تلك الثمرة عندما قدمت في 2009 السيدة إيرينا بوكوفا التي فازت بالمنصب وسجلت سابقة كونها أول امرأة تجلس على عرش اليونسكو، أمر عجيب فعلا أن تأتي مصر متأخرة سواء في ترشيح امرأة، أو في وقت ترشيحها. أخشى على مشيرة خطاب من دفعها لمنافسة بدون أوراق قوية في يديها، أوراق داخلية وخارجية، فالمؤكد أن المنافسة ستشمل أسماء عديدة من دول العالم وستتضمن تحالفات واتفاقات، وفوز أي مرشح يتطلب رضا العواصم الكبرى المؤثرة في القرار الدولي، بجانب توفر المؤهلات اللازمة لمن يشغل هذه المواقع. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.