هناك على ضفاف المحيط، فى أقصى نقطة من الوطن العربى، تشهد الساحة السياسية الموريتانية حراكاً سياسياً وصل لدرجة الاحتقان فى ظل تصاعد الأزمة بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة، التى صعدت مطلبها من «تقاسم السلطة» إلى مطالبة الرئيس الحالى محمد ولد عبدالعزيز بالتنحى، بعد عامين من وصوله إلى السلطة فى انقلاب عسكرى، وبعد أقل من سنة على انتخابه رئيسا للبلاد. بهذا المطلب، أعلنت المعارضة رسمياً يأسها من الحوار مع الرئيس الذى كان يرفض تقاسم السلطة، فأصبحت تنادى بإسقاطه وإراحة البلاد من «حكومته الفاشلة»، لتطلق مرحلة جديدة من الصراع السياسى بين الحكومة والمعارضة فى موريتانيا. ومنذ شهر فبراير الماضى، تشكلت ملامح جديدة للخريطة السياسية فى موريتانيا عندما أعلن زعماء المعارضة تأسيس «منسقية» المعارضة، فى مواجهة ائتلاف «أحزاب الأغلبية»، الذى يضم 38 حزباً سياسياً، وأكثر من 100 برلمانى. ودشنت «المنسقية»، التى ضمت جميع أطراف المعارضة باستثناء حزب واحد هو «التواصل الإسلامى»، مشهداً سياسياً جديداً «أصبح يتشكل اليوم من قطبين أساسيين، هما النظام والمعارضة الديمقراطية» وحتى الأمس القريب كانت مطالب المعارضة الموريتانية تتلخص فى الحوار مع الفرقاء السياسيين على أساس اتفاق دكار، وإلا «سيكون مآله الانقلاب العسكرى كالأنظمة السابقة» - حسب تهديدهم. أما الأغلبية الحاكمة فتعاطت مع مطالب المعارضة بمنطق رفض تقاسم «الثقة التى منحها لها الشعب»، ويتطلب الحديث عن خلفيات الوضع السياسى الرجوع لما وصلت إليه موريتانيا بعد تجربتها الديمقراطية، التى ولدت يوم 3 أغسطس 2005، عندما ترأس أعلى ولد محمد فال المجلس العسكرى، الذى وضع أسساً ديمقراطية تناوبية، أفضت إلى انتخابات 2007 التى جاءت بأول رئيس منتخب فى موريتانيا سيدى محمد ولد الشيخ عبدالله، قبل أن توأد التجربة بين عشية وضحاها، لينتهى الحلم إثر انقلاب 2008 على يد الجنرال عزيز، الذى اغتصب الديمقراطية، لتتباين منذ ذلك الحين آراء الموريتانيين سلباً وإيجاباً حول الوضع ما بعد التجربة الديمقراطية القصيرة. وفى هذا الصدد، يرى المحلل السياسى، المختار السالم، أن «التجربة الموريتانية تشهد مداً وجزراً، وأنها حققت الكثير، لكنها عجزت عن الأكثر». أما الكاتب سيدى بلعمش فيرى أنه «لم تكن هنالك تجربة فى الحقيقة، وإنما كذبة أفضت إلى التراجع خطوتين للوراء، فلم يكن ثمة من يرغب فى وجود ديمقراطية، لا العسكر ولا الساسة». نفس الاتجاه يراه الكاتب المختار الطيب الذى يرى أن التجربة الديمقراطية الموريتانية لم تكن سوى «لعبة»، بدليل أن الغرب لا يساعد أو ينشىء أى ديمقراطية فى دول العالم الثالث إلا فى حالتين، حينما تكون لعبة كما حدث فى موريتانيا، لخلق تأزم دائم يمنع الاستقرار، أما الحالة الثانية فنتيجة نضال حقيقى يقوده قادة أو مناضلون تتوفر لديهم إرادة التغيير.