أعرب البروفيسور جيفرى ساكس، المفكر الاقتصادى العالمى، عن سعادته بالتواجد فى مصر بدعوة من مؤسسة «المصرى اليوم»، لحضور المنتدى الاقتصادى السنوى للجريدة، كما أعرب عن سعادته بالحديث مع عمرو موسى، وزير خارجية مصر الأسبق والأمين العام السابق للجامعة العربية، مؤكدا أن له إسهامات واضحة فى تحقيق السلام الدولى. وقال ساكس إن العالم يعانى من مجموعة من الأزمات المتعددة والمتراكمة فى وقت لا توجد فيه إرادة سياسية عالمية لمعالجتها بشكل جذرى، مضيفا: «إذا كنت تنتظر حلولا من الولاياتالمتحدة فلا يوجد.. فى أمريكا حاليا لا نعرف من يقوم باتخاذ القرارات، لدينا انتخابات فى نوفمبر، وإذا سألتنى عن رأيى سأقول لن يكون هناك أى حلول فى نوفمبر أو بعدها فى ظل كل هذه الانقسامات». وتابع ساكس أنه فى الوقت الذى يحتاج العالم فيه لحلول، فمن المضحك أن هذا التطور التكنولوجى الكبير قادر على تقديم العديد من الحلول.. فالحاصل على جائزة نوبل هذا العام أحد اللاعبين المؤثرين فى الذكاء الاصطناعى، وهو قادر أن يغير وجه العالم، هذا الذكاء الاصطناعى نجح فى تطوير برنامج للعبة الشطرنج قادر على تنفيذ 40 مليون حركة فى 4 ساعات فقط.. أى أنه يمكن لأى فرد من خلال التعليم الذاتى إتقان الشطرنج فى 4 ساعات، كما أن إيلون ماسك يتحدث عن إطلاق الريبوتات الإنسانية والتى ستقوم بكل الأدوار دون الحاجة للتعلم وتطوير الذات لمدة 30 عاما.. لدينا فرص قوية لإيجاد حلول للمشكلات القائمة بالاستفادة من الذكاء الاصطناعى. وأشار جيفرى ساكس إلى الأزمات العالمية، وتأتى فى مقدمتها أزمات التغير المناخى والتلوث الضخم وانهيار التنوع، وسيكون لها تأثيراتها على مصر خلال العقد المقبل بشكل كبير فى ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذى سيؤدى إلى أن يفقد نهر النيل 25٪ من مياهه على الأقل، كما أن ارتفاع درجة الحرارة سيؤدى لارتفاع منسوب المياه فى المحيطات، وقد يعرض دلتا النيل لخطر الغرق. وأضاف: هذه المخاطر لا تتطلب استراتيجيات ، لكن تحتاج استثمارات ضخمة فى التنمية المستدامة، وإذا ما ذهبت مصر إلى صندوق النقد أو البنك الدولى سيقولون ليست لدينا أموال، مضيفا: أزمات البيئة تحدٍ عالمى وارتفاع درجات الحرارة هو الأسوأ. وتابع أن الأزمة الثانية تتعلق بالتحديات الجيوسياسية، وأرى أننا أمام نهاية عالم قطبى واحد تقوده الولاياتالمتحدة وأوروبا وبداية عالم جديد متعدد الأقطاب فى ظل التعافى الصينى الكبير وبزوغ دور الهند عالميا والتى باتت لاعبا مهما ورئيسيا، وهذا ما سيعيد موازنة القوة العالمية والتخلص من سيطرة أمريكا وأوروبا وأنا أرى هذا أمرا جيدا جدا، لكنه سيقودنا لمجموعة من الأزمات العالمية لأن واشنطن ولندن لا تريدان ذلك.. الحراس القدامى لا يتحملون ذلك وسيقودون العالم لحروب متعددة وخطيرة، وهذا يكشف لنا عن أسباب الحرب فى أوكرانيا.. الولاياتالمتحدة اعتقدت فى نفسها أنها قادرة على اللعب بقواعدها فى المنطقة الروسية ورفضت الإنصات للرفض الروسى المتكرر لدخولها هذه المنطقة وصممت على بناء قاعدة عسكرية فى أوكرانيا ضد الرغبة الروسية، بل إنها تدخلت بسياساتها فى إزاحة الحكومة الأوكرانية السابقة التى التزمت الوقوف على الحياد لأن أمريكا لا تفهم الحياد.. إذا كنت محايدا فأنت ضدها.. وقاموا فى 2014 بالتخلص منها وإيجاد حكومة تابعة لها.. نفس الأمر فى إسرائيل التى تسيطر عليها الأفكار المجنونة. إسرائيل تعيش فى وهم قاتل وتعتقد نفسها قادرة على فرض نظامها الخاص على المنطقة وتعتقد أن أمريكا ستنقذها وهذا هو الوهم الأكبر. وتابع أن إسرائيل تدمر نفسها بما تتبعه من ممارسات وتعزل نفسها عن العالم. أما الأزمة الثالثة فتتعلق بالحروب الاقتصادية التى تقودها أمريكا ضد الصين حيث تتدخل من خلال تسليح تايوان.. أمريكا ترى أنه يجب أن تستعد لحرب مع الصين، وإذا ما حدث سينتهى العالم خلال ساعات فقط.. وأضاف: لا يوجد عقلاء فى القيادات يقولون إن العالم يتسع للجميع لكن ما يحدث هو تصارع لإثبات التفوق.. يوجد 15 ألف سلاح نووى تم تطويره، قادر على إبادة العالم خلال 19 ثانية. وأضاف أن المخاطر الاقتصادية تطال البعض دون الآخر فى العالم، إيلون ماسك لديه ثروات تقدر بتريليونات الدولارات، وهذه الثروة تتنامى، فهل يحتاج ماسك إلى هذه الثروات والبشرية تعانى، فى دول مثل مصر تعانى بسبب الديون من صندوق النقد الدولى لا يمكنها توجيه استثمارات مناسبة فى تعليم الأطفال، لأنها توجه جزءا لسداد الديون للصندوق.. مضيفا: أموال الاستدانة للدول الغنية أقل تكلفة من الدول الفقيرة حيث تصل للأولى 2٪ فقط فى حين ترتفع للدول الفقيرة إلى 5٪، بسبب عدم وجود تصنيف ائتمانى.. يوجد 56 دولة منخفضة الدخل منها دولتان فقط لديهما تصنيفات جيدة، وبالتالى باقى الدول ليس لديهم فرص فى الحصول على تمويل للتنمية. وأضاف أن مصر لديها مشكلة كبيرة فى ارتفاع تكلفة التمويل كما أن القطاع الخاص ليست لديه تصنيفات ائتمانية قوية إذا ما تمت مقارنتها مع الحكومة فسيجعل السقف السيادى البنوك تستمر فى تمويل أدوات الدين الحكومية، وهذا لا يساعد على التنمية. وأكد أنه لا يمكن توقع حلول للأزمات العالمية إلا من خلال العمل على وضع نظام عالمى جديد يعمل بشكل جيد وعادل قائم على توفير تمويلات ميسرة للدول الفقيرة والنامية مع إطالة مدد السداد، والتى قد تصل 40 عاما للدول التى تحقق 10٪ نموا فمن المعروف أنه كلما زادت الدول فقرا زادت فرصها أيضا فى تحقيق معدلات نمو مرتفعة. فيما يتعلق بالشأن المصرى، قال جيفرى ساكس: الأهم هو الاستثمار فى التعليم حتى المراحل الثانوية على أقل تقدير. مصر لديها ثروة بشريةً ويمكن توجيه الكثير من الشباب للعمل فى التدريس لحل مشكلات عجز توافر المعلمين كما يمكن تأهيل جزء كبير منهم للعمل فى الدول الأخرى وتحويل العوائد بالعملة الأجنبية إلى الحكومة. واقترح أن يتم فرض رسوم ضريبية على العاملين فى الخارج تستخدم فى تمويل التعليم فى الدولة، مضيفا أن مصر يمكنها أن تكون مركزا للتكنولوجيا والابتكار فى منطقة الشرق الأوسط من خلال الاهتمام بتأسيس المراكز التكنولوجية والبحثية فى الجامعات. وتابع: الاستثمار الثانى هو البنى التحتية ومد خطوط القطارات السريعة لربط الشمال بالجنوب وتحقيق التنمية الشاملة مضيفا أن انضمام مصر للبريكس يتيح لها الاستفادة من التجربة الصينية وهى الأفضل فى العالم. وأكد أهمية أن تكون البنى التحية ذكية وبجودة عالية وصفرية الانبعاثات الكربونية بالاعتماد على الطاقات الكهربائية وهذه الشبكات تربط إفريقيا وأوروبا، من خلال موقع مصر الجغرافى. كما يجب على مصر الاهتمام بالبناء الحضرى والمدن الجديدة، فالآن عدد السكان 120 مليون نسمة وخلال سنوات قليلة سنصل إلى 200 مليون حسب تقديرات الأممالمتحدة، لكن الأزمة أيضا فى أن كثيرا من هؤلاء الناس ستكون لديهم صعوبة فى الحصول على المياه فى ظل تراجع حصة مصر فى نهر النيل لذلك فإننا نحتاج إلى بنية تحتية متطورةً لتناسب التحديات الجديدة للزيادة السكانية. وهى تقوم فى الأساس على الاستفادة من البنى التحتية ولديكم فرصة للتعاون مع الصين وإن كانت أمريكا تكره الصين بالطبع لأن الأولى أقل تكلفة وأكثر كفاءة وانتشاار، كما أن الاعتماد على التكنولوجيا الصينية سيجعل من الصعب لأمريكا أن تتصنت عليك. وأكد جيفرى ساكس أننا رغم كل ذلك لدينا أفضل 20 عاما فى تاريخ البشرية، ولدينا الحلول للمشكلات والطاقة المتجددة الأقل تكلفة والحلول الرقمية، لكن يتطلب ذلك إرادة عالمية لمنح تمويل كافٍ للدول الفقيرة القادرة على النمو، ومصر يمكنها أن تلعب دورا مهما فى ذلك، خاصة أن مصر لديها المصداقية، والحقيقة أن الحكمة المصرية هى أساس الحضارة الغربية ولديها من المكانة لتقديم المساعدة.. مصر يمكنها أن تكون حلقة الوصل بين طرفى الاقتصاد العالمى بريكس ومجموعة السبع الكبرى. وتابع: مشكلة العالم هى الجنون والقيادات الحالية فى أمريكا لا تعرف أقل شروط الوظيفة أى من سيتم انتخابه خلال نوفمبر لا تنتظروا منه حلولا. فلن تصدر من أمريكا أى خطط فى المستقبل المنظور وتابع: من المهم للدول الناشئة أن تضع خططها وأفكارها وفقا لرؤية مستقبلية واضحة تتميز بالحكمةً وتحقق السلام والتنمية، وفى مصر لديكم قيادة حكيمة وتستطيع مصر أيضا بما تملكه من عقول أن تقوم بدور مهم فى ذلك.