«لقد سُجنْت لخمس وعشرين سنة هل تعتقدين أن هذه حياة سهلة؟ لنبدأ بوقف إطلاق النار أولًا، دعونا نمنح أطفالنا الحياة التي لم نحظ بها، نحن لسنا فقراء وحفاة.. يمكننا أن نكون مثل سنغافورة».. كانت تلك كلمات يحيى السنوار في حوار مع الصحفية الإيطالية فرانشيسكا بورى في أكتوبر عام 2018 وقد أقنعها بأنه لا بديل عن الهدنة لتتنفس غزة الصعداء. حسب إعلام الاحتلال أرسل «السنوار»، في أغسطس من العام ذاته، رسالة إلى نتنياهو دسها بين أوراق المفاوضات، عبر الوسطاء، يدعوه فيها إلى «مخاطرة محسوبة» مقتضاها التوصل إلى هدنة طويلة الأمد تتنفس فيها غزة اقتصاديًّا. خلال ما سمته الصحف العبرية ب«سنوات الصبر الاستراتيجى» تمكن مهندس الطوفان من خداع نتنياهو؛ فيما عكف بدأب على بناء الحركة عسكريًا، غابت خلالها حماس تماما عن جولات القتال مع الاحتلال، لتحل محلها «الجهاد الإسلامى». واستنادا إلى ذلك ظنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن السنوار أدرك الدرس في المعتقلات الإسرائيلية وعزف عن النضال المسلح ليكتفى بالتركيز على الحكم، لتفاجأ «تل أبيب»، في أكتوبر 2023، بعد 5 سنوات، بأن لسان حال السياسى؛ الذي أراد لغزة أن تكون «سنغافورة»، تغير إلى «لا بديل عن البارودة»، وقد أدار معركة «الطوفان» واشتدت لهجته ليخبر نتنياهو علانية بأن المعادلة تغيرت. هكذا نضجت تجربة السنوار في سجون الاحتلال الذي اعتقله عدة مرات وحكم عليه بأربعة مؤبدات، ليعود منتقمًا بعدما أفرج عنه في صفقة عام 2011 ليناور ويدير معركة وهو محاصر بداخلها. تحدٍّ لغطرسة نتنياهو بينما تجرى عملية البحث الإسرائيلى عنه داخل قطاع غزة، على قدم وساق، شكّل اختيار القيادى في حركة حماس، يحيى السنوار، المطلوب الأول لإسرائيل، رئيسًا للمكتب السياسى للحركة، تحديًا لغطرسة نتنياهو و«ردًا أوليًا» على اغتيال «هنية»، رغم مرونة الرجل وبراجماتيته في التفاوض، وقد خلّف أصداءً جدلية في إسرائيل، فالرجل الذي تلقبه تل أبيب بأنه «وزير دفاع حماس»، والعقل الذي أعدّ ودبر لعملية «الطوفان»، نضجت تجربته في عقر دارهم وداخل معتقلاتهم لذا تخشى إسرائيل تنامى نفوذه، وأن يصبح رجلًا سياسيًا واستراتيجيًا وقائدًا عامًا للكل الفلسطينى وفق بعض المحللين الإسرائيليين. واستنادًا إلى محطات في مسيرة السنوار، تزعج عقليته تل أبيب وتشعرها بالقلق بشأن إدارته للصراع على الأمد البعيد، وإدارته للتفاوض على المدى المنظور. مزعج ومفاجئ السنوار هو من بلور اتفاق الهدنة بين حماس والاحتلال عام 2014 بعد العدوان على قطاع غزة، وهو أول من أسس هيئة للأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، وقد أعاد العلاقات والتشبيك مع كافة دول محور المقاومة وعزز استراتيجية «وحدة الساحات»، وفقًا لتصريحات قادة الحركة. وفيما تواصل الفرقة 98 بجيش الاحتلال عملياتها المكثفة للبحث عن السنوار داخل قطاع غزة لليوم ال303 للحرب، حسبما أفادت «هيئة البث الإسرائيلية» الرسمية، التي وصفت اختيار السنوار رئيسًا للمكتب السياسى لحماس بالأمر «المزعج والمفاجئ» معتبرة أن التسلسل القيادى وقدرة حماس التنظيمية رغم الضرر الذي سببه اغتيال هنية، وحسمها السريع لاختيار رئيس مكتبها السياسى يعد تأكيدًا بأن الحركة متماسكة، وأنه لا خلافات داخلية كما يشيع البعض. واعتبرت أن السنوار تمكن من قلب الموازين لصالحه متخطيًا الاسمين المطروحين، رجل الظل محمد إسماعيل درويش، وخالد مشعل. أما القناة ال12 العبرية فقد ادعت في تقرير لمحررها إيهود يعارى، أن «السنوار سيكون دمية في يد سلسلة من قادة حماس»، زاعمة أن ثمة «حصانًا أسود وظلًا خفيًا» يحرك خيوط الحركة. وأفاد مركز دراسات الأمن القومى الإسرائيلى التابع لجامعة تل أبيب، في تقرير تحليلى حول تداعيات اختيار السنوار، أن تنصيب السنوار رسالة قوية من حماس بأنها «موحّدة» ومتمسكة بمركزية غزة كمركز ثقل للحركة وعاصمة ل«توحيد الداخل الفلسطينى» و«توحيد الساحات» من الخارج ضد إسرائيل. وأضاف التقرير أن السنوار يشكل تحديًا لإمكانية قيادته الكل الفلسطينى، معتبرًا أنه تحدٍّ لسلطة أبومازن، نظرًا لاقترابه من الفصائل جميعًا، كما أشار إلى اقترابه إلى كل من مصر وإيران. وسائل الإعلام الغربية حللت بدورها دلالات اختيار السنوار، معتبرة أنه «تمسك بخيار المقاومة»، ورأت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية أنه «لو كان هناك أي شك بشأن كيفية توزيع توازن القوى داخل حماس، فمن المؤكد أنه انتهى في 6 أغسطس بتعيين الحركة قائدها في غزة ومهندس هجمات 7 أكتوبر قائدًا أعلى لها»، معتبرة أن اختيار السنوار لهذا المنصب إشارة واضحة إلى أن «الجناح الأكثر راديكالية في حماس أصبح الآن مسؤولًا عن الحركة بأكملها، مع مزيد من التنسيق مع إيران». أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فرأت أن اختيار السنوار يعزز مكانة الجماعة كحركة مقاومة مسلحة ضد «إسرائيل»، وينأى بها عن دورها ككيان سياسى يهدف إلى الحكم، متوقفةً عن التحالف الوثيق مع إيران. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن قرار حماس باختيار السنوار لرئاستها يمثل إشارة إلى أن قادة الحركة الفلسطينية مازالوا بعد 10 أشهر من بدء الحرب متمسكين بقرار مهاجمة «إسرائيل» في 7 أكتوبر 2023. عرفات جديد يدير صراعًا محاصر بداخله وحول دلالات اختيار السنوار قال المحلل الفلسطينى، أيمن الرقب، في تصريحات ل«المصرى اليوم»، إن اختيار السنوار بمثابة رسالة للاحتلال، وردًا على اغتيال شخصية براجماتية مثل هنية، وإن الاحتلال حال اغتال هنية سيجد من هو أصلب منه، مؤكدًا أنه ليس في حركة حماس من سيقبل بما رفضه هنية، وبعده «رسالة بأن السنوار حى، وأن قيادة الحركة في قطاع غزة قوية وقائمة وستبقى، فيما مسلسل الاغتيالات لن يفتّ في عضدها». واعتبر الرقب أن الانتقال السلس والديمقراطى واختيار حماس رئيسها الانتقالى بهذه السرعة يُحسب لها، لاسيما أنه قبل اختيار السنوار كانت هناك أسماء مطروحة بقوة، منها محمد إسماعيل درويش، وخليل الحية، وخالد مشعل، مشيرا إلى أن السنوار سيكون بمثابة «عرفات جديد» يناور في معركة هو مُحاصر داخلها، فيما لن يسمح بتقديم تنازلات على غرار ما حدث مع الرئيس أبوعمار في عام 1982. وحول تداعيات اختيار السنوار على سير المفاوضات، رجّح الرقب أن السنوار سوف يبدى «مرونة غير متوقعة» في ملفات عديدة، مؤكدًا أن عرقلة مسار المفاوضات لن يكون سوى بسبب تعنت الاحتلال وإغلاقه أي آفاق سياسية، جراء سياسات نتنياهو الذي يرفض التعاطى مع سلطة أبومازن، الذي قدم براجماتية شديدة فيما اليمين المتطرف يرفض التعامل معه غير أن نتنياهو أصر على أن يضع شرطًا جديدًا وهو ترحيل أسرى إسرائيل خارج الأراضى الفلسطينية مع توسيع محور فلادلفيا. واعتبر الرقب أن السنوار سوف يدير التعامل مع ملفات عديدة في الداخل الفلسطينى والخارج، فعلى الصعيد الداخلى يستمد السنوار قوته من أن يديه ليستا ملوثتين بالدم الفلسطينى؛ ففى عهده لم يكن هناك اقتتال فلسطينى- فلسطينى، إضافة لقربه من جميع الفصائل الفلسطينية ورفضه الاقتتال الداخلى، فليس له عداء مع أحد، ومنهم دحلان، مع انفتاحه على ملف المصالحة. على الصعيد الخارجى، تجمع السنوار علاقة طيبة مع أطراف عديدة في الأقليم؛ ففى عهده كان هناك تقارب مصرى مع حركة حماس بعد فترة، إضافة لقربه من إيران وعلاقته بسليمانى ورئيسى، وإيمانه باستراتيجية «توحيد الساحات». ويمكن القول إن اختيار حماس للسنوار كان بمثابة رسالة قوية للاحتلال الإسرائيلى، والولايات المتحدة وحلفائها، ومفادها أنّ حماس «موحّدة» ومتمسكة بمركزية غزة كمركز ثقل للحركة وعاصمة ل«توحيد الساحات» ضد إسرائيل. من هو يحيى السنوار؟ ولد السنوار، بمخيم خان يونس في قطاع غزة عام 1962 فيما أصوله تعود أ إلى مجدل عسقلان الواقعة في الداخل المحتل، قبل أن يتم تهجير أسرته لتعيش في مخيم خان يونس بحسب موقع «فلسطين أونلاين». تلقى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس حتى أنهى دراسته الثانوية، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة لاكمال تعليمه الجامعي، وحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة ذاتها بحسب «بي بي سي». تعتبره سلطات الاحتلال «وزير دفاع حماس» حسبما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية التي قالت عنه إنه سيكون حلقة وصل قوية بين جناحي الحركة العسكري والسياسي، نظرا لما يتمتع به من خبرة أمنية ومهارات عسكرية وقد أسس السنوار جناح «المجد» العسكري في العام 1986، بحسب شبكة «بي بي سي» الامريكية. اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي مجددًا عام 1988، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد، مكث السنوار في سجون الاحتلال لنحو 24 عامًا قبل أن تفرج عنه في العام 2011؛ إذ كان على قائمة صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي أقامتها «حماس» مع الاحتلال مقابل تقديم، الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، التي تمت في أكتوبر 2011 بوساطة مصرية وشملت الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا. وضعته واشنطن على قائمتها ل«الإرهاب» في العام 2017 وفي العام ذاته تم انتخابه رئيسًا لحركة «حماس» وأثناء التصعيد على قطاع غزة، نقلت صحيفة «يديعوت أخرونوت» العبرية تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي إيلي كوهين، قال فيها إن الضيف ومعه يحيى السنوار على رأس قائمة اغتيالات جيش الاحتلال، وضمت القائمة أسماء أخرى ك: «محمد ضيف – يحيي السنوار – محمد السنوار – مروان عيسى – فتحي حماد – أبوعبيدة المتحدث العسكري لكتائب القسام».