اليوم وقفة، وغدا عيد، فلنجعلها على منابرنا عيداً، كفوا عن الترويع بالنار فى هذا اليوم السعيد، أسمعونا ألحان السماء، زقزقوا على المنابر كعصافير الجنة. أم المشاكل فى وزارة الأوقاف هى خطباء المكافأة، ثلاثون ألف خطيب ونيف يعتلون المنابر، منذرين، مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور وبعذابات القبر، ثلاثون ألفا تطوع نفر منهم وحوّل المنبر إلى حالة هستيرية من الصراخ والعويل. بعضهم حوّل المساجد إلى دور عذاب، وهى دور خير تحف بها الملائكة، يصرخ أحدهم ويزعق فى المصلين، ترتعد منهم الفرائص ويتململون، يخرجون معبأين محطمين غاضبين، لا يجدون إلا زوجات وأبناء يفشون فيهم غلبهم وما يكبتون، ما ذنب هؤلاء؟! آخرون احتكروا المنبر وحولوه إلى قطعة من الجحيم، لا يرون فى الكتاب الحكيم سوى لظى وسعير، ينسون الجنان.. يكادون يفقدون المصلين صوابهم بالثعبان الأقرع على طريقة أفلام الرعب، تنخلع قلوب وتسود وجوه وتقشعر أبدان من هول ما يفزعون به عبدا إذا صلى. بعضنا صار يتجنب صلاة الجمعة، كفى عذابا، عذاباً فى الشغل وفى البيت وحتى فى بيت الله، صديق صار يخشى على طفله إذا صحبه إلى الصلاة، مال طفل صغير والسعير، قلب أخضر، يقف خطيبا طودا شامخا يرفعه المنبر درجات، يقذف حمما فى وجوه المصلين. وطائفة منهم شهلوا المنبر لصالح جماعات «محظورة» وأخرى «سلفية»، ما أنزل بها الله من سلطان.. يحرّمون لبس الكعب العالى والبنطال ويفضلون الشبشب أبوأصبع فى برد يناير، وكم من الأذى يلصقونه بالسنة المطهرة، وهى منهم ومن أفعالهم وما يتقولون براء. خطباء المكافأة - ليس كلهم بالضرورة - كثير منهم يتقون الله فيما يقولون ويلفظون - الملافظ سعد - وما ينطقون، لكن قليلا منهم لا يرحمون، ارحموا من فى الأرض، هؤلاء لا تردعهم لوائح ولا قوانين، وضعوا أيديهم على المنابر، منابر وضع يد، يتسللون إلى الزوايا بعد أن سدت أمامهم المساجد. فكر أحد وكلاء الوزارة أن يغلق تلك الزوايا التى تطق شررا، ولكنه يخشى عاقبة المصلين، إغلاق المساجد كبيرة إلا على المارقين، لا يدرى كيف يسد العجز فى الخطباء بعيدا عن الغلق، الغلق محظور بقوة المصلين، لا أحد يجرؤ على المساس ببيوت يذكر فيها اسمه. ضعف خريجى الأزهر يضعف المدد بالأئمة المؤهلين، لا يمر من مسابقات الأوقاف إلا المؤهلون للخطابة، وكم من زهور تفتحت فى السنوات الأخيرة وصارت مقصدا للمصلين، ولكنها زهور فى حقل الشوك! المنابر تحولت إلى شوكة فى جنب المصلين، جنب الدولة، يمتطيها من لا يعرفون الصحيح من الحديث، يتغنون بالأساطير ويروون المرويات من غير الصحيح المسند، يستندون على قصص خرافية، وحكايات أسطورية، يخلبون بها لباب المصلين، أولو الألباب لا يعرفون طريقا لمساجد تحترم العقلية وتخاطب القلوب المفعمة بحب رسول الله، صار العثور على مسجد قريب وخطيب حبيب تهوى إليه النفوس العطشى للإيمان صعب المنال. لست عليهم برقيب، من يراقب هؤلاء، من يراقب ثلاثين ألفا فى يوم واحد وفى توقيت واحد، وزارة الأوقاف تعجز عن تدبير أئمة لكل المساجد.. فكيف تدبر مفتشين على كل المساجد؟! المفتشون عاجزون عن إدراك ما يجرى على المنابر، اللهم ارحمنا منهم.. فأنت بنا راحم ولا تعذبنا بهم فأنت علينا قادر...!