20 عامًا استغرقها الحزب الجمهورى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ليحذو حذو غريمه الديمقراطى فى تعيين أول رئيس أسود للحزب من جذور أفريقية، منذ انتخاب رون براون رئيسًا للديمقراطيين عام 1989. فمن ولاية ميريلاند، أحد معاقل الديمقراطيين فى الولاياتالمتحدة، اختار الحزب الجمهورى قبل يومين رئيسه الجديد مايكل ستيل، ذا الأصول الأفريقية، فى محاولة لترميم أركان الحزب الذى توالت عليه الصدمات السياسية، قبل أكثر من 8 أعوام، منذ تولى الرئيس جورج بوش الرئاسة، ثم تدنى شعبيته، الذى انعكس فى خسارة الجمهوريين لأغلبيتهم فى الكونجرس منتصف عام 2001. صحيح أن اختيار ستيل، النائب السابق لحاكم ولاية ميريلاند، لهذه المهمة يعود لما هو معروف عنه من مهارة تواصل تمكنه من إيصال رسالة الجمهوريين للأقليات من السود وذوى الأصول اللاتينية التى انصرفت عن الحزب منذ سنوات طويلة، لكن أهمية اختياره أيضا تنبع من أهمية الولاية المنحدر منها، وعاصمتها «أنابوليس»، والتى تقدم نفسها باعتبارها مدافعة عن حقوق الحرية والمساواة، بطرق شتى منها احتفاظها بوثائق مدونة فى مؤسسة «كونتا كنتى» للذكريات المريرة لمعاناة السود، الذين كان يتم جلبهم من القارة الأفريقية على يد تجار الرقيق قسرا للعمل بالسخرة عبيدا فى الأراضى الأمريكية. كما أن أنابوليس، التى هى أشبه ما تكون بمدينة أوروبية أكثر منها أمريكية، لا تزال متأثرة فى طراز مبانيها وشوارعها بحقبة الاستعمار البريطانى لولاية ميريلاند، بل وتزخر أيضا بمعالم تعكس تفاعلات الصراعات التاريخية فى أوروبا القديمة على الساحة الأمريكية، خاصة المناطق الساحلية الشرقية منها، مثل التنافس الاستعمارى التقليدى بين بريطانيا وفرنسا، والعداء الإنجليزي - الإسكتلندى على العرش البريطانى، وهو ما ينعكس فى اسم المدينة ذاتها «أنابوليس» وتعنى «مدينة آن»، تخليدا لذكرى الملكة آن، التى بنيت لها كنيسة بوسط المدينة أطلق عليها كنيسة «سانت آن». ولعل أكثر ما يشد الانتباه فى أنابوليس، ليس فقط كثرة عدد مواطنيها ذوى الجذور الأفريقية، بل والنصب التذكارية المتعددة لرموز أبرزها ذلك المعروف باسم «عبد أفريقى» لألكس هالى، كاتب رواية «جذور» الشهيرة، وهو التمثال الذى يتوسط قلب المدينة، جالسا يقص روايته ل3 أطفال، ممسكا فى يده الكتاب، الذى أحدث ضجة كبيرة بعد تحوله إلى مسلسل تلفزيونى، بالوقائع الحقيقية التى سردها لمعاناة المهجرين الأفارقة، الذين كان أحدهم جده «كونتا كنتي»، الشخصية الرئيسية فى الرواية، والذى تم اعتقاله من جامبيا قبل ترحيله إلى أنابوليس لبيعه عام 1767. حرص المدينة على الإبقاء على تلك الشواهد سواء من حقبتى الاستعمار أو العبودية، هو ما جعلها مع الوقت أحد رموز مناهضة العبيد والتحرر ضد الاستعمار، كما أنه جعلها معقلا تقليديا للديمقراطيين، وهو ما يبدو أن الجمهوريين أدركوه متأخرا.، فلجأوا اليوم وبعد 20 عاما من منافسيهم إلى انتخاب أول رئيس أسود لحزبهم، عله يصلح وصمة العنصرية العالقة حتى الآن بمناهضى تحرير العبيد من سكان الجنوب (معقل الجمهوريين)، القائم على الزراعة، والذين أصروا على الاستعانة بالزنوج فى مزارعهم، مقابل الشماليين الذين كانوا ينظرون دوما للرق باعتباره وصمة خلقية واجتماعية وسياسية.