داخل محل الكشرى كان صوت المذياع عالياً وضجيج الزبائن فوق العادة، لهذا كان صبى المحل الذى يأخذ الطلبات من الزبائن يضطر إلى أن يصرخ حتى يصل صوته واضحاً إلى زميله الذى يقوم بتجهيزها. مر الصبى بجوارى وعلا صوته على مقربة من أذنى صائحاً: وعندك واحد عباس خالى البندق على كاماتشو. لفت انتباهى ما قاله الفتى واستعنت بصديقى الجالس أمامى لفك شفرة الطلب العجيب. قلت له: هل هذا هو مطلع قصيدة جديدة للدكتور على لطفى مثل قصيدة «الويكا» التى شدا بها مؤخراً أم تراه يردد لغة خاصة بهم فى المحل؟ لعل «واحد عباس» هذه تعنى «طلب مخصوص» لكنهم يدللونه.. أنا أعرف أنهم يسمون التقلية ورد، أما البندق فمعلوماتى تقصر عن فهمه. قال صديقى: وماذا عن الكاماتشو؟ أجبته: أعتقد أن علينا أن نسأل الصبى نفسه وهو يفسر لنا الأمر. قلت هذا وأنا أضحك ثم انصرفت إلى طبق الكشرى وبدأت فى التهامه، لكنى لاحظت أن صديقى لم يأكل وغرق فى تفكير عميق. سألته: مالك؟ قال: ألا تعرف مالى؟ قلت فى دهشة: وأنّى لى أن أعرف، لقد كنت تضحك منذ دقيقة واحدة فما الذى حدث؟ أجابنى: الكلام الذى سمعناه الآن من صبى المحل لا يدعو إلى الارتياح. نظرت إليه دهشاً وقلت: ماذا تقصد؟. ا قترب منى هامساً: هذا الولد يردد شفرة غامضة لا يريد لأحد أن يفهمها وهو يريد أن يضلل المخبرين الذين ينتشرون فى المحل، وأنت تعرف أن مصر مستهدفة هذه الأيام وفى الأيام القادمة، كما كانت مستهدفة فى الأيام السابقة وتلك التى سبقتها. قلت له وأنا أكاد أقع من شدة الضحك: هل أصابك الخفيف؟ أنا أعلم أن تاريخ عائلتك لا يخلو من شخصيات بها بعض اللطف، لكن ليس لهذه الدرجة. قال لماذا فى رأيك طلب «واحد عباس»؟ لقد كان بإمكانه أن يطلب أى أحد آخر لكن عباس له دلالة. قررت مسايرته فقلت: وما دلالة هذا العباس؟ أجاب: هو يلمز السيد محمود عباس صديق مصر الصدوق الذى لا يمر أسبوع واحد حتى يأتى إلينا وينير ليل القاهرة بطلّته الحلوة. قلت: أنا أعرف أن عباس يأتى يوم الخميس ليحضر التنزيلات التى تقدمها محلات كارفور ويأخذ حاجة الأسبوع قبل أن يعود إلى رام الله، وكان قبل ذلك يحضر العروض التى كان يقدمها شوب رايت حتى تم بيع فروعه إلى أولاد رجب.. لكنى لا أعتقد أن الولد كان يقصده حين طلب «واحد عباس» لأنه وصفه بأنه خالى البندق وعباس الذى تحكى عنه بنادقه تسد عين الشمس ويتم تسليحه بواسطة كل قوى الاعتدال فى المنطقة ولا يمكن أن تسمح إسرائيل بأن يكون خالياً من البندق. قال صديقى: ومن أدراك أنه يقصد بالبندق البنادق والسلاح.. لعله يقصد البندق واللوز وعين الجمل. قلت له: ربما كنت محقا.ً وكان الرجل يصنع المشمشية والحلويات النابلسى بدون الياميش من باب التقشف ومشاركة شعبه المحاصر الأيام العجفاء مثلما كنا نفعل على زمن رئيس للوزراء قال الناس إن أم على كانت تصنع فى عهده «سِك» بدون أى تحابيش بعد أن قام بقطع الخميرة من البيت وقام بتنشيف الزيت. قال: من الواضح أنك تقصد غير ما تقول، ولعلك تلمح إلى الأقاويل التى أوردتها وكالة رويترز عن العقود التى حصل عليها أبناء عباس من الأمريكان. قلت له: يا صديقى أنت تعلم أننى لا أثق بالأمريكان، والوكالة المذكورة تحدثت عن مراجعة قامت الوكالة ذاتها بإجرائها للسجلات الأمريكية بشأن برامج مساعدات فى الضفة وغزة فوجدت أن شركات للإنشاءات والعلاقات العامة يديرها أبناء عباس حصلت على عقود بلغت قيمتها مليونى دولار منذ عام 2005 عندما أصبح والدهم رئيساً للسلطة الفلسطينية. قال صديقى: أنا أحمد لك عدم ثقتك بالأمريكان وإن كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قد أكدت أن شركات أبناء عباس قد فازت بالعقود من خلال تقديم مناقصات شاملة وعلنية وأن العلاقات الأسرية لم تكن ضمن العوامل التى أخذت فى الاعتبار. قلت له: لقد أرحت قلبى يا صديقى وأنا لم أشك مطلقاً فى الرجل.. لكنك ألقيت بى فى دوامة من الحيرة فماذا يقصد الولد ولماذا يتحدث بالشفرة وما معنى أن واحد العباس هذا الخالى من البندق.. ما معنى أن يكون على كاماتشو؟ قال صديقى: لا أدرى. قلت: ما رأيك أن نطلب البوليس ونتركه يحقق فى الأمر بطريقته ليصل إلى الحقيقة. قال: عين العقل.. وشرع يطلب النمرة لكنه توقف وسألنى: أليس من المحتمل أن يكون يقصد الدكتور نظيف أو أحداً من وزرائه؟ جاوبته: وهل هناك من الوزراء من هو على كاماتشو؟ إن بعض الوزراء على رولمان بلى وقد فرط بالكامل، وبعضهم الآخر على كبالن، لكن كاماتشو لا أظن!. استأذنت فى الانصراف للقيام بمشوار وتركت صديقى يطلب البوليس للرجل.. وأنا من هذا المنبر أهيب بمن كان يفهم الشفرة من السادة القراء أن يشرحها لى وله دعواتى بالخير.