تضامن معى فى دعوة رئيس الوزراء الفلسطينى السيد سلام فياض إلى أن يصمت.. حاول معى أن نقنع السيد فياض بأن صمته أفضل جداً من كلامه.. وأن فى سكوته كل الخير للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطينى وله شخصياً.. أخبر السيد فياض بأن صمته منتهى النضال والكفاح منه، وأنه بهذا الصمت يسطر اسمه بحروف من نور فى سجل النضال والكفاح الفلسطينى المشرف. إذا كنت لا تعرف، فالسيد فياض هو رئيس الوزراء الفلسطينى، بمعنى أنه متحدث باسم شعبه ومسؤول عن قضيته والأهم أنه من المفترض أن يكون من أكثر الناس فهماً لقضية شعبه وحقوقه المشروعة وعدالة نضاله.. لكن السيد فياض قدم هدية مجانية ونفيسة لشركائه فى تل أبيب، بإعلانه التساوى القانونى بين وضع المستوطنين فى الأراضى الفلسطينية والعرب داخل الخط الأخضر (مواطنى الدولة العبرية). فياض قال لصحيفة «القدس العربى» إن «اليهود الذين يختارون أن يظلوا فى دولة فلسطين سيتمتعون بالحقوق السياسية وبقيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل وتفاعل الثقافات والأديان، ولن تقل حقوقهم بالتأكيد عن تلك التى يتمتع بها عرب الداخل فى إسرائيل». أولاً: ساوى فياض بين مستوطنين مستعمرين اغتصبوا الأرض من أصحابها بقوة السلاح، واعتبرهم وكأنهم جالية أجنبية وفدت إلى دولة مجاورة بشرعية وعاشت بين مواطنيها بسلام، وبين مواطنين شرعيين يستحقون جميع حقوق المواطنة قانونياً ويمتلكون الأرض تاريخياً ويعيشون فى وطنهم وقراهم وزراعاتهم منذ آلاف السنين يتوارثونها جيلاً بعد جيل، وفشل الإرهاب الإسرائيلى فى طردهم منها ونجحت مقاومتهم فى اكتساب أكبر قدر من حقوق المواطنة داخل المجتمع الإسرائيلى، حتى تحولوا إلى «نافٍ قانونى» لفكرة يهودية الدولة العبرية. ثانياً: يروج السيد فياض، دون أن يدرى أو ربما دون أن يدرك، لصورة مثالية عن إسرائيل حين يتحدث عن الحقوق السياسية التى يتمتع بها العرب داخل إسرائيل والتسامح والتعايش والاحترام المتبادل وتفاعل الثقافات والأديان، متجاهلاً كفاح «عرب 48» لنيل هذه الحقوق وحالات التمييز العنصرى الصارخة التى تمارس ضدهم، وحالات الاستهداف لثقافاتهم وعقائدهم. ثالثاً: يفتح السيد فياض الباب من جديد لفكرة «التبادل السكانى»، القائم على نقل عرب إسرائيل من الداخل إلى أراضى الضفة وغزة، ونقل المستوطنين إلى مناطق العرب فى الداخل، وهى الفكرة التى تلح عليها إسرائيل فى محاولة منها لتدعيم «يهودية الدولة»، وهو بذلك يمنح إسرائيل مجاناً وتطوعاً مسوغاً لشرعنة مطالبها، باعتبار أن هذه التصريحات تصدر عن رئيس وزراء فلسطينى، المفترض - كما قلت لك - أنه يعرف جيداً مصالح شعبه وحقوقه التاريخية، ويتنازل عنها بكل هدوء وبساطة ويمنحها لإسرائيل على طبق من ذهب. رابعاًً: إن كان السيد رئيس الوزراء الفلسطينى يمنح كل هذا لإسرائيل بسذاجة سياسية مفرطة وهذا أفضل من تغليب سوء النية فى تفسير تصريحاته فإنه لا يكتفى بهذه السذاجة السياسية، وينطلق منها إلى فهم خاطئ ورؤية شديدة القصور وقليلة الإدراك للدور النضالى والتاريخى الذى يلعبه «عرب 48» فى دعم قضية الشعب الفلسطينى وكبح جماح الدولة العبرية.. هو لا يفهم ولم يفهم أن بقاء 20% من سكان إسرائيل داخل هذه الدولة ينطقون الضاد ويتمسكون بهويتهم ويناضلون من أجل حقوقهم لاكتساب مواطنة كاملة، يدخلون الكنيست وينافسون فى البلديات والمحليات، هم بالتالى عنصر ضغط مهم على هذه الدولة الجامحة والخارجة عن كل المعايير الإنسانية والقوانين الدولية. لا يفهم السيد فياض أن وجود 20% من مواطنى دولة إسرائيل عرب، بما يملكون من حراك وكتل تصويتية، يخدم القضية الفلسطينية من جانب خاص، ويخدم القيم الإنسانية بشكل عام بتخليص العالم من دولة دينية عنصرية لا تعترف إلا باليهود، ولا تسعى إلا لتكون دولة يهودية خالصة.. وبالتالى لا يفهم أن الأولى والأنفع هو دعم «عرب 48» ليكونوا مواطنين كاملى المواطنة والحقوق. اسأل السيد فياض إذن أن يصمت ما لم يقل خيراً، وأن يعرف أنه إذا أراد السياسة فليصمت، وإذا أراد النضال فليصمت أيضاً.. وفى جميع الأحوال الصمت أفضل له ولنا. [email protected]