تحدثت لمدة 90 دقيقة إلى رئيس الوزراء الفلسطينى، سلام فياض، وكانت «الأمن» هى الكلمة التى رددها كثيرا جدا. كما فى قوله: «غياب الأمن كان فيه خرابنا». وعندما يتحدث القادة الفلسطينيون عن الخراب الذى ألحقوه بأنفسهم، فضلا عن الذى ألحقته بهم إسرائيل، ربما تكون الأمور قد شرعت فى التحرك. قال لى فياض إن هدفه هو إنهاء «تعدد الأجهزة الأمنية» الذى أسفر عن «دولة الفوضى والميليشيات»، مشيرا إلى أن هذه الفوضى غذت الانقسام العنيف بين فتح فى الضفة الغربية وحماس فى غزة، وهو ما قوض المساعى الفلسطينية السابقة من أجل إقامة أسس الدولة. وفياض (58 عاما) رجل صغير الحجم، شديد العناية بالتفاصيل، درس فى الولاياتالمتحدة، ويتمتع بذهن مرتب للغاية. وهو يستخدم عبارات طويلة معقدة ذات سمة أكاديمية، ترد فيها كلمات مثل «بديهى» و«اختصاص». فخلال عشر سنوات تقريبا كان البنك الدولى بمثابة بيته؛ إذ لم يكن زعيما سياسيا. كما لم يكن الكفاح المسلح طريقه قط. لكنه الآن رجل يحمل مهمة على عاتقه. وهذه المهمة هى برنامج مدته عامان، بدأ من أغسطس الماضى، للإعداد لقيام دولة فلسطينية عام 2011. وهو يقول إن البرنامج يمثل قطيعة مع الفشل الفلسطينى السابق من حيث تبنيه للاعنف «التزاما صارما وليس موسميا» وتركيزه على أمور عادية كالمؤسسات (الشرطة، المدارس والنظام قضائى، والطرق والاقتصاد) بدلا من الإعلانات الرفيعة. وقد ضمن البرنامج دعما صريحا من «رباعية» الولاياتالمتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، وهى المجموعة التى دعت الشهر الماضى إلى «تسوية يتم بحثها بين الأطراف فى غضون 24 شهرا، تنهى الاحتلال الذى بدأ عام 1967 وينتج عنها ظهور دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية قابلة للحياة، تعيش فى سلام وأمن جنبا إلى جنب مع إسرائيل». ولا تتداخل مهلة ال24 شهرا العالمية مع جدول فياض على وجه التحديد، لكنهما قريبان على نحو كاف بقصد الوضوح. ويحظى فياض بدعم قوى من الرئيس باراك أوباما. وفى العام المقبل، وقبل أن تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سيكون الوقت ضيقا، فهل يمكن أن يتزامن كل من برنامج فياض، الذى يشهد تقدما، والمباحثات السياسية، التى لا تشهد هذا التقدم؟ لا أدرى، لكنى على يقين من أن فياض هو أفضل أمل لفلسطين خلال فترة طويلة. فهو يبنيها بدلا من أن يطنطن بها. والحجة السهلة ضده أنه معزول سياسيا حيث تعارضه حماس فى غزة وينظر إليه حرس فتح القديم فى ريبة. أما الحجة التى لصالحه فهى أنه قادر على الإنجاز، ويحسن حياة الناس؛ فقد سئم الفلسطينيون من السير على غير هدى. وقال لى فياض: «هذا يتعلق بحقنا فى الحياة كشعب حر بكرامة على هذه الأرض، وأعنى حتى لا يساء فهمى، الأرض التى احتلتها إسرائيل عام 1967». وأضاف: «نحن نعمل يوميا بما يتسق مع ذلك من أجل إيجاد شعور متنام بالدولة. وتقع أمور سيئة يوميا، لكننا نتعلق بضربة حظ، وعلينا أن نكون مستعدين لها». تبدو ثمار هذا العمل واضحة خارج مكتبه فى رام الله، وفى كل مكان آخر فى الضفة الغربية. فالمتاجر والمطاعم زاخرة بالمرتادين، وأفراد شرطة السلطة الفلسطينية فى كل مكان بزيهم الجديد النظيف، وتراجع حجم التوتر، وتحقيق الاقتصاد نموا بمعدل سبعة فى المائة العام الماضى، مدعوما بضخ معونات هائلة. ومازال الوجود الإسرائيلى طاغيا نقاط التفتيش، والجدار العازل الممتد، والطرق السريعة المخصصة للمستوطنين فقط غير أن جهود فياض لبناء الدولة تتواصل إلى أى مدى متاح. فهل يعلن الفلسطينيون من جانب واحد الاستقلال عام 2011، إذا فشلت المباحثات؟ إنها فكرة يبدو أن فياض يلمح إليها أحيانا.وهو يقول: «هذا لا يتعلق بإعلانات عن الدولة. وهى ليست تصريحات عن دولة. بل عن الاستعداد لقيامها. إن أحاديثنا صحية. إنها على النقيض إذا جاز التعبير من النشاط الاستيطانى الإسرائيلى. وواصل كلامه قائلا: «لا يعنى هذا المضى قدما فى ذلك منفردين، بل المضى معا يدا بيد مع الجميع، بمن فيهم الإسرائيليون». وقد سئم فياض مطالبات الماضى التى تعوق الحركة. فهو يقول: «دعونا لا نسمح لأنفسنا بترف القيام بدور الضحايا إلى الأبد. إنها مسألة طريقتين متعارضتين للسرد التاريخى. وإذا كان لذلك أن يوجه حركة السير مستقبلا، فلن نذهب بعيدا. لقد حان الوقت لتجاوز ذلك وإنهاء هذا الصراع. علينا أن نتحرك. ولننظر إلى الأمام بحق». لكن، ماذا عن حماس الممثلة لنحو 40 فى المائة من الفلسطينيين هم سكان غزة وميثاقها الذى يدعو إلى تدمير إسرائيل، كما أنها تعارض فياض معارضة حادة؟ يعترف رئيس الوزراء بأنها «مشكلة كبرى» أشبه ب«كعب أخيل»، غير أنه يصر على أنه ما أن تتشكل الدولة فمن الممكن أن تمثل عاملا موحدا. وقال لى: «هل من الممكن، بالنظر إلى تجارب الماضى، أن نجد أنفسنا فى ربيع العام المقبل من دون إحراز تقدم؟». ويجيب: «من المحتمل، لكننى أعتقد بدلا من الجلوس ساكنين انتظارا لتحقيق أقصى ما يمكن من أحلام، أننا إذا انشغلنا بمساعدة أنفسنا على تحقيق حلمنا بإقامة مؤسسات قوية وفعالة للدولة نجعل هذه النتيجة أقل احتمالا. وهذا رهان جيد بما يكفى بالنسبة لى».