أشعر مثلك بغضب شديد من مجرد الدعوة التى أطلقها القس تيرى جونز لحرق نسخ من المصحف الشريف، ولا أتصور أن يحدث ذلك ولا يفور الغضب فى العالم الإسلامى من حكامه إلى شعوبه بنفس المدى والقوة، لكن تعال نفكر قليلاً بمنطق مختلف بعيداً عن الغضب المشروع، وانطلاقاً من هذا الغضب أيضاً. جزء من الصورة أننا أصبحنا فرصة لكل مغمور لكى «ياكل على قفانا عيش»، وينال من الشهرة والأهمية ما لم يحلم به فى حياته، انظر إلى وضع هذا القس الذى كان مغموراً قبل غضبنا، وكانت كنيسته صغيرة وفى بلدة نائية لا يسمع عنها إلا العشرات من المترددين عليها، نفس الشىء فعلناه مع رسام دنماركى، وكُتّاب وأدباء مغمورين فى الغرب، وفى عالمنا العربى أيضاً. لا أدعوك لكى لا تغضب لدينك، لكننى أدعوك لتوجيه ردة فعلك، والانطلاق بها فى سياق تفكير مختلف تخرج به رابحاً فى النهاية، حتى لو نفذ المتعصبون تهديداتهم. كان يمكن ومازالت الفرصة باقية لاستغلال هذا التركيز الإعلامى فى مزيد من تعريف العالم بالإسلام الحقيقى وقيمه ودعوته ورسالة نبيه الكريم، التى كرست مبادئ التسامح والتوافق والتعارف الإنسانى، وأصَّلت لحقوق الإنسان وحرياته العقيدية والسياسية قبل قرون وقرون من صدور إعلانات حقوق الإنسان الدولية. تخيل معى أن القس الموتور نفذ تهديده ودعا أمثاله من مؤيدى دعوته لحرق نسخ من المصاحف، فيما نظم المسلمون الأمريكيون ومؤيدوهم فى أنحاء العالم وداخل أمريكا تجمعاً مناظراً وأكثر عدداً، يكون عنوانه «يحرقون المصحف.. لكننا لا نستطيع حرق الإنجيل»، ويكون الهدف من هذا التجمع استغلال هذا الاهتمام المكثف للتعريف بالإسلام انطلاقاً من مبدأ رئيسى، أن الإسلام يدعو للإيمان بجميع الأديان والرسالات التى سبقته، وأنه إذا نفذ قس موتور إساءة إلى نبى الإسلام الكريم، لا يستطيع متطرف مسلم على شاكلته أن يرد بإساءة إلى المسيح، عليه السلام، وإلا سيرتكب إثماً عظيماً فى حق نبى الإيمان به شرط أساسى من شروط اكتمال إيمان المسلم، كذلك لا يستطيع مسلم مؤمن حق الإيمان أن يرد على حرق المصحف بحرق نسخ الإنجيل أو التوراة، لأنها كتب رسالية يؤمن بها المسلمون ويعترفون بها. لنتركهم يحرقوا المصحف، بينما نقف نحن على الضفة الأخرى من الطريق نشرح للناس مدى قداسة المسيح فى القرآن وقداسة السيدة مريم، وقداسة جميع الأنبياء، ونقول للناس إن الذين يحرقون المصحف إنما يحرقون آيات كريمة تقول: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ». وتقول كذلك: «وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ». وتقول أيضاً: «قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِى مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِى النَّبِيُّونَ من ربهم». وتصف المسيح بالقول: «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ».. وتتحدث عن أمه البتول الطاهرة: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ». تخيل إذن لو حدث ذلك.. ما هو مستقبل التطرف سواء بين المسلمين أو المسيحيين؟ ومن الرابح فى النهاية؟ [email protected]