ظاهرة تجاوز الحدود، فى جانب منها، ظاهرة تتعلق بتطور التركيب السكانى من الناحية المذهبية والإقليمية فى البلد الأضعف تاريخيا، وفى الجانب الآخر تتعلق بالصراع حول التركيب السكانى كما يظهر فى التحليل التالى. ينقسم السكان باليمن بالنسبة لتوزيع أنصار وأتباع مذهبى الزيدى والسنى إلى أربع مجموعات: المجموعة الأولى: محافظات ذات أغلبية سنية مطلقة: وهى محافظات الجنوب فى: المهرة - حضرموت - شبوة - ابين- لحج - عدن، بالإضافة إلى محافظتى تعز والجديدة الشماليتين، المجموعة الثانية: المحافظات ذات الأغلبية الزيدية المطلقة، وهى محافظات: صعدة - الحرف - صنعاء (المحافظة)، المجموعة الثالثة: وهى محافظات لا يتعدى العنصر الزيدى بها 15%، أى يغلب عليها الطابع السنى، وهى: اب – البيضاء - ومأرب، المجموعة الرابعة: محافظات يغلب عليها الوجود الزيدى من وجود سنى لا يتعدى 25%، وهى: ذمار - المحتويت - حجة - أمانة العاصمة. بعد التقريب الإحصائى نصل إلى الصورة الكلية التالية للتوزيع السكانى: السنة 64.5%، والزيدية 35.5%. من العوامل التى أدت إلى تراجع المذهب الزيدى نجد التالى: أولا: تأثر الكثير من الزيديين بالعمل فى دول الخليج السنية، وعلى رأسها السعودية، مما أدى إلى تحول الكثيرين منهم إلى النظرة السنية، ثانيا: التأثر بالصحوة الإسلامية السنية، ثالثا: انكماش الزيدية بعد سقوط دولة الإمامة، والبدء فى تعليم مناهج أكثر اعتدالا مثل منهجى الشوكانى والصنعانى، فضلاً عن الانفتاح الثقافى على العالم، رابعا: تسنن عدد من شيوخ القبائل الذين تأثروا بالصحوة السنية، ونجد معامل ارتباط إحصائى عال بين القبائل التى تسننت والمعونة السعودية الرسمية أو غير الرسمية، خامسا: جمود المذهب الزيدى فقهيا، سادسا، بعد الوحدة ظهر ارتفاع نسبة العنصر السنى عن الزيدى فى عدد السكان، حيث إن معظم السكان الجنوبيين هم من أتباع المذهب السنى الشافعى. فى ضوء هذه الصورة يأتى وتنبع بعض ميكانيزمات ظاهرة التجاوز على الحدود السعودية - اليمنية باعتبارها تعبيراً عن التمرد التاريخى من أجل تأكيد الهوية الزيدية العامة فى أكثر صورها تصلباً وعنفاً والمتمثلة فى الصحوة الإمامية. بالطبع هناك فروق مذهبية بين الزيدية والإمامية، والتى صارت تؤمن سياسيا بضرورة عودة الفكر الإمامى للساحة اليمنية، خاصة فى ضوء الضعف المذهبى الزيدى وتزايد الهيمنة السنية. فمعركة تجاوز الحدود السعودية - اليمنية فى جانب منها تظهر كعملية تسوية تاريخية للحساب المجتمعى على الوجه التالى: أولا: أن القوى الإمامية الجديدة تشعر بأن السعودية غدرت بها من خلال الاتفاق المصرى - السعودى على أن تسوية الحرب الأهلية اليمنية تكون لصالح استمرار النظام الجمهورى، ثانيا: تشعر القوى الإمامية الجديدة بأنه لم تتم التسوية معها فى سياق النظام الجمهورى اليمنى، فهى دائماً مطاردة من المجتمع ومن الدولة، ثالثا:فى ذهن القوى الإمامية الجديدة تصور بأنه كما كانت منطقة صعدة عامل انكسار تاريخياً ضد المصريين فى القرن الماضى، فهى الآن ستوفر عامل انكسار تاريخياً ضد السعوديين، رابعا: وكما استعانت القوى الإمامية التقليدية بالسعودية فى حربها ضد النظام الجمهورى ومصر، تستعين القوى الإمامية الجديدة بإيران وعناصر شيعية عراقية ومن حزب الله اللبنانى، خامسا: تعتقد القوى الإمامية الجديدة أن الحرب ضد السعودية والدولة اليمنية، خاصة الجيش اليمنى، هى انتقام من التحالف التاريخى بين قوى وشيوخ وقبائل حاشد مع النظام الجمهورى، خاصة فى ضوء وفاة عبدالله الأحمر، شيخ شيوخ قبائل حاشد والقائد التاريخى فى صناعة استمرار النظام الجمهورى اليمنى، خاصة الرئيس عبدالله صالح، سادسا: تشعر القوى الإمامية الجديدة بأن السعودية قد غدرت بها مرة أخرى بشأن تسوية الحدود، حيث إن القوى الإمامية تعتبر منطقتى نجران وجيزان السعوديتين الآن نتيجة للترسيم النهائى والدولى للحدود، هما من المناطق الإمامية التى لا يجوز التنازل عنها. ويستمر التحليل.