وزعق فيهم الإمام فروّعهم ترويعًا، قالها بأعلى صوته: الموت يأتى بغتة، شهق البعض خشية، حذر الموت، لكن الإمام بعد أن اصفرّت وجوه، ترفّق بهم، ولحق بهم، وأقام الصلاة، بعدها خرجوا فرادى وزرافات لايلوون على شىء، تدافعوا إلى سياراتهم ذات الدفع الرباعى، انطلقوا إلى شاليهاتهم وشواطئهم، بعضهم (قيّل) من القيلولة، استعدادًا لسهرة الهضبة التاريخية (عمرو دياب) منتصف ليل الجمعة فى جولف مارينا. شىء طيب وجميل، لا تخلو مارينا من واحد إلى سبعة من مسجد جامع، ولكنها تخلو تقريبًا من إمام وخطيب جامع، يجمع المصطافين من على الشواطئ، يلم القلوب، يخاطب العقول، يلمس الأفئدة لمسًا رقيقًا، إمام ينساب سلسبيلا كنهر جارٍ، يروى العطشى إلى الإيمان، ينهلون من نبع علمه الغزير، لا يخشونه، لا ينفرون منه، لا يقاطعون مسجده، لولا أنه مسجد جامع واحد لما ذهب إليه كثير ممن ذهبوا ليصرخ فيهم «الموت بغتة». باغتهم، أخذهم على غرة وهم يصطافون، ظننت، وبعض الظن إثم كبير، أننى سوف أسمع خطبة فى فضل الزكاة، ووجوب الصدقات، والعطف على الفقراء وإغاثة الملهوف، وتطبيب المريض، وإطعام الجوعى، وبين المصلين من يطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا، ظننت أن الإمام واع ومدرك أى طبقة يخاطب، وفى أى طبقة يخطب، ومن أى طبقة يزعق. لا أعرف لماذا يزعق فيهم الإمام، لماذا يزعق فينا كل الأئمة، كان الشيخ كشك، رحمه الله، زعوقا ولكنه مرح بشوش، لماذا يخاطبهم على أنهم عصاة، فى ضلال مقيم، فى مارينا أستغفر الله، لماذا يتخيل بعض الأئمة أن الله اختارهم لهدايتنا، إنك لا تهدى من أحببت، لماذا كل هذا الترويع، والتخويف، والقنوط، ولا تقنطوا من رحمة الله، لماذا الغمز واللمز فى دين جميل يهدى للتى هى أقوم، لو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك. الزعيق لا يملأ منبرًا، والتخويف لا يملأ قلبًا، والتلويم لا يبعث قلقا، المصلون فى مارينا من طبقة أو طبقات تنفق من وسع، مما أفاء عليهم الله، خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، لا تثيروا فى وجوههم الحقد والتعصب، لا تلقوا فى وجوههم بتراب القبور، لا تعذبهم وأنت فيهم، وقل لهم قولا رحيمًا. فى مثل هذه المجتمعات التى تتناثر فيها اللافتات بالإنجليزية تدعو إلى ولوج أبواب الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، تحتاج إلى معالجات منبرية خاصة، ما يلزم أبوالريش والعجوزة لا يلزم جاردن سيتى والزمالك وما يلزم بورسعيد لا يلزم مارينا، كلاهما شاطئ، جغرافية المكان والزمان والبشر تحتاج إلى دراسة معمقة من الإمام قبل اعتلاء المنبر، نشرات «الدين والحياة»، التى توزعها وزارة الأوقاف على الأئمة لا تقول ازعقوا فإنى مباه بكم، ولا تقول نفروا ولا تبشروا، تقول قولا سديدًا. معلوم أن أئمة المنابر نوعان، مشايخ الجنة، يبشرون، ومشايخ النار ينذرون، لكن صنفاً ثالثاً ظهر فى مارينا حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، مشايخ القبور، يفتحون القبور فى مكان تزدهر فيه الحياة، ويرتع فيه المصطافون ويلعبون، مساجد مارينا ليست مكانا نحاكم فيه البعض على الثراء، فى السماء رزقكم وما توعدون. أدخل الإمام المصلين ونحن منهم مدخلا ضيقا، نسى الحمد، لم يعلمنا فضيلة الحمد، كيف يحمد الإنسان ربه، وكيف ييسر على عباده المتعسرين، لم يبصرهم بأن فى أموالهم حقاً للسائل والمحروم، وما نقص مال من صدقة، مجرد عناوين لا تفتح قبرًا ولا تغلقه، ولكنها تفتح باب التوبة والرحمة، إن الدين يسر.