إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون أيخون إنسان بلاده إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟! تظل هذه السطور الشعرية الرائعة التي أبدعها الشاعر العراقي الموجع بدر شاكر السيَّاب تسكنني بأسئلتها الجارحة، التي توجع أكثر مما تستفسر، وترسم دوائر للعجب أكثر مما تفترض من إجابات. ربما يتبادر إلى الذهن سؤال عن ماهية الخيانة، وعما يمكن اعتباره خيانة، ومن يمكن اعتباره خائنًا في مثل هذه المرحلة الغائمة من مراحل التحرر المصري، وخاصة مع شخص مثلي يرى في الاتهام بالخيانة آخر وصف يمكن أن يوجهه إلى سواه. لكن أسئلة أخرى كثيرة تتداعى إلى ذهني وأنا أرى أولئك الذين يضعون العراقيل تلو العراقيل في طريق الثورة المصرية، وأسأل: أليسوا مصريين مثلنا تمامًا؟ ألا يطمحون مثلنا إلى أن يروا وطنهم في المكانة التي يتسحقها؟ ما طبيعة المصالح التي يمكن أن تدفعهم إلى كل هذا الجهد الذي يبذلونه من أجل إجهاض الثورة المصرية، ما الخلل الذي يصيب مصريتهم بحيث يقدِّمون على تحرر الوطن وارتقائه أي كسب آخر؟ أتذكر هنا عبارة "أخشى ما أخشاه أن يجيء يوم تصبح فيه الخيانة وجهة نظر" التي ينسبها البعض إلى الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وينسبها آخرون إلى أبي إياد، وأتساءل: هل يمكن أن تتحول الخيانة بالفعل إلى وجهة نظر؟ وهل يمكن أن تطرح المواقف من التحرر باعتبارها وجهات نظر مختلفة وفقط؟ هل يمكن حقًّا أن يكون هناك من يقف مع الثورة المصرية ومن يقف ضدها، ويكون ما بينهما من اختلاف هو مجرد اختلاف في وجهات النظر؟! أسئلة أطرحها على نفسي قبل أن أطرحها على قارئي الكريم، وأنا ممتلئ بالأمل والألم معًا، أما الأمل فلأن ثقتي بوصول الثورة إلى غايتها يبقى يقينا لا يداخله الشك، ولو كره الكارهون، وأما الألم فأظنه نتيجة للسؤال الذي طرحه على الليلة صديقي الذي يعمل خارج البلاد، والذي روى لي كيف أن أحد رجال الشرطة الكبار في الدولة العربية التي يعمل بها قد بادر إلى تحيته بعمق وإجلال مشوب بالفخر عقب الحادي عشر من يناير 2011، وكيف جاءت تحيته تعبيرًا عن انقلاب درامي في نظرة ذلك الرجل وزملائه ومواطنيه إلى صديقي والمصريين جميعًا، لقد ذيَّل صديقي روايته بالسؤال: ماذا لو التقيت هذا الرجل الآن؟ هل ستبقى نظرته على ما آلت إليه؟ أم ستعود إلى ما كانت عليه؟ سؤال أتوجه به إلى من يرون المواقف من الثورة "وجهات نظر".