نيران شارع مجلس الوزراء، ومن قبل محمد محمود، التي جاءت عقب لغز أحداث ماسبيرو، يبدو ان اخمادها بات معضلة، فالكل يتقاذف كرة اللهب المشتعلة ولا يريد ان يتحمل مسؤوليته في اطفائها.. المجلس العسكري يؤكد انه لا يزال الدرع الحامي للثورة وأن هناك طرفًا ثالثًا يلعب في الساحة يريد الوقيعة بين الجيش والشعب، والائتلافات الثورية تقول إن من يسقطون في القصر العيني الآن ضحية طلقات حية، ورئيس الوزراء يتهم بلطجية وأطفالًا بتأجيج الأمور، وقوى سياسية تتعمد الصمت والتواري عن المشهد، فيما قلب مصر وعقلها بات "على كف عفريت". رواية من نصدق عن الأحداث الأخيرة، في ظل بلبلة متعمدة وخلط للأوراق يساهم فيه الجميع بقصد أو من دون قصد؟ هل نصدق رواية المجلس العسكري عن الطرف الثالث، أم نجاري الثوار في أنهم مستهدفون بنيران الشرطة العسكرية، أم نصدق أعيننا ونحن نرى الصبية يشعلون النيران في واحدٍ من أهم مراكز الإشعاع الحضاري في العالم: المجمع العلمي، الذي التهمت النيران أهم كنوزه في فاجعة إنسانية لا تقل عن جريمة إحراق مكتبة الإسكندرية القديمة؟. وفي خضم الأحداث الملتهبة خرج علينا الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف، ليقدم شهادة جديدة عن احداث شارع محمد محمود التي سبقت كارثة مجلس الوزراء، ليؤكد في حوار مع صحيفة "المصري اليوم" أن شرف ووزير داخليته منصور عيسوي لم يكونا على علم بقرار فض اعتصام ميدان التحرير في 19 نوفمبر بالقوة الا بعد وقوعه، وان هذا الأمر كان السبب في استقالة الحكومة وإصرار شرف عليها. الغريب ان الدكتور السلمي رفض ان يخبرنا وقد كان نائبا لرئيس الوزراء من اتخذ قرار فض اعتصام التحرير بالقوة، واكتفى ردًا على سؤال من اتخذ قرار إخلاء ميدان التحرير إذن، بقوله " ما اعرفش" !!. من كان على بعد خطوات من الأحداث في مطبخ حكومة شرف لا يعرف، وبالمثل قوى عديدة تنكر معرفتها بما جرى، فيما رواية "اللهو الخفي" الذي يتحكم في كل شئ هي سيدة الموقف، وعلينا أن نبحث عن قراء الكف وضاربي الودع لنعرف ماذا يدور في وطننا ومن يتلاعب بمصائرنا. البسطاء من أبناء هذا الوطن يتخبطون في حيرة من يصدقون والى رواية من ينحازون وهم يرون مصر نفسها تمضي باتجاه مجهول، وطريق تتبدد معالمه مع صباح كل يوم جديد بعد أن اختلطت الامور وتعقدت خيوط اللعبة التي كنا بعد ثورة يناير نعتقد أنها سوف تسير بالاتجاه الصحيح؟. طوابير الحرية في الانتخابات البرلمانية في مرحلتيها الأولى والثانية، التي اصطف فيها الملايين رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخا، هل كانت سببًا في إشعال الحرائق، في لعبة عض أصابع بين أطراف غير منظورة لم يعجبها سيناريو الانتقال السلمي للسلطة، وهل حقا - كما يتبنى البعض - يفتعل المجلس العسكري هذه الأحداث لدوام بقائه في السلطة أطول مدة ممكنة؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يجدر التساؤل ولماذا يكلف المجلس العسكري نفسه عناء هذا التنظيم الجيد للعملية الانتخابية؟ هل كان لفوز الإسلاميين وجماعة "الإخوان" تحديدًا، علاقة بما يجري، ولماذا تتوارى الجماعة عن لعب دور جاد في اخماد النيران وتكتفي بشذرات هنا وهناك عن ضرورة وقف العنف؟ ولماذا لم يشارك نواب حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسية للإخوان - الذين فازوا بالمقاعد البرلمانية في تهدئة الأجواء بشكل مملوس بعد أن أصبحوا نوابًا منتخبين؟! تساؤلات عديدة تدور في أذهان المصريين كافة، وهم يتابعون الأحداث التي تبعث على التشاؤم، فيما محترفو الظهور على الفضائيات يتناهشون جسد مصر بسيناريوهات كابوسية، وصلت الى الحديث عن تدخل دولي لحماية الآثار بعد احتراق المجمع العلمي. هل تدفع مصر ثمن صراع الأبناء المتحمسين للغد الأفضل.. أم الشيوخ الذين يدعون أنهم الأكثر عقلًا وأكثر دراية بمصلحة الوطن؟؟ أم حقا هناك سيناريو المؤامرة الخارجية التي تريد لبلادنا السوء ؟ تلك هي حيرتنا الكبيرة!!