مع كثرة الانتقادات الموجهة للمجلس الاستشارى، والاتهامات الموجهة إليه بأنه شريك فى أحداث العنف التى شهدها فض اعتصام مجلس الوزراء والاعتداء على المتظاهرين من قبل الشرطة وعناصر الشرطة العسكرية، بامتناعه عن حل نفسه، وجب الاستماع للجانب الآخر وهم أعضاء المجلس الاستشارى للتعرف على وجهة نظرهم وكيف ينظرون للأحداث الراهنة. ومن هنا كان الحوار مع الدكتور محمد نور فرحات، أمين عام المجلس الاستشارى، والذى أكد فيه أن استمراره فى المجلس جاء إيمانا منه بما تطلبه مصلحة مصر فى الوقت الحالى، بغض النظر عن تأثير ذلك على شعبيته السياسية، وإلى نص الحوار:
● كيف تصرفتم مع أحداث فض اعتصام مجلس الوزراء؟ فوجئنا عقب تشكيل المجلس مباشرة بالأحداث التى وقعت أمام مجلس الوزراء، هذه الأحداث بقراءة قانون المجلس لا تدخل فى اختصاص المجلس الاستشارى، لأنه مجلس مختص ببحث الترتيبات التنظيمية لانتقال السلطة، فوجئنا وكان لابد أن نحاول إطفاء الحريق كمواطنين مصريين، هناك بعض الزملاء أخذهم الانفعال وأعلنوا استقالتهم من المجلس أمام وسائل الإعلام، بعضهم امتنع تماما عن الحضور، وبعضهم كان يعلن استقالته ثم يتابع اجتماعات المجلس. ولكننا وأمام إدراكنا لخطورة المهمة الملقاة على عاتق المجلس رفضنا الانسحاب أو الاستقالة حرصا على المصلحة العليا حتى لو كانت على حساب المصلحة الشخصية أو الشعبية السياسية لنا.
● هل ترى أن المجلس العسكرى استجاب لتوصياتكم منذ اليوم الأول الذى عقدتم فيه اجتماعا طارئا الجمعة الماضية؟ لم تكن هناك استجابة فورية لأننا لا نتعامل مع مشكلة قانونية أو تشريعية إنما مع انتفاضة واضطرابات وإطلاق رصاص وقنابل مولوتوف، فمن المتوقع أن نتائج هذه الجهود التى يقوم بها الاستشارى والنواب لن تؤتى نتائجها فور البدء فيها ولكن بعد بضع ساعات أو بضع أيام، وأنا أرى بالفعل أنه بدأ تنفيذ التوصيات.
وبالله عليكم ما هو اللوم الذى يمكن أن نلقيه على المجلس الاستشارى، المشكلة أن هناك كثيرا من الناس رافضون للمجلس العسكرى، فيلقون غضبهم هذا بالمجلس العسكرى وكل ما هو بجانبه ولا ينظرون، إلى المجلس الاستشارى الذى أؤكد أنه مجلس يمثل خيرة عقول أبناء مصر للاتصال بالمجلس العسكرى، وأطرح تساؤلا هنا هل البديل أن يترك المجلس العسكرى بمفرده دون أن يستمع إلى أحد؟ فإذا كان هذا هو المطلوب، كان بها.
● هذا يستدعى تساؤلا آخر، فالقوى السياسية كانت تطالب بمجلس انتقالى يدير شئون البلاد فلماذا لم يؤخذ بذلك الاقتراح؟ هذا السؤال لا يوجه لى إنما يوجه إلى أعضاء المجلس العسكرى، وأنا من خلال حواراتى معهم متأكد من شيئين أن المجلس العسكرى سيسلم السلطة وهو ملتزم حاليا بتسليمها فى 30 يونيو، وقد طلب منا بالأمس أن ندرس إمكانية تسليمها قبل ذلك، وسنشكل مجموعة عمل لإجراء هذه الدراسة فى إطار النصوص الدستورية، وأنا فى رأيى أننا الآن ندفع ثمن سيناريو رسمته التعديلات الدستورية التى استفتى الشعب عليها فى 19 مارس وهذا السيناريو قيل وقتها أنه يسارع بالمرحلة الانتقالية، ونحن قلنا ولعلكم تذكرون أن هذا السيناريو سيؤدى إلى بقاء العسكر فى السلطة مدة طويلة.
● هذا سيعود بنا إلى تساؤل آخر وهو من المتسبب فى هذا اللبس؟ الذين شكلوا لجنة تعديل الدستور والذين صفقوا للتعديلات الدستورية التى جرت، والذين أضفوا عليها قداسة دينية والذين منعوا الاقتراب منها هم المسئولون عما نحن فيه الآن، والفرق بيننا وبين التونسيين أنهم قاموا بتشكيل هيئة تشبه المجلس الاستشارى الذين شكلناه بعد الثورة ب10 أشهر، اسمها «هيئة حماية أهداف الثورة»، وهذه الهيئة ظلت وصية على تحقيق أهداف الثورة حتى تم انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور، وللقيام بأعمال التشريع وانتخاب رئيس مؤقت.
إنما نحن نسير بارتباك شديد سببه التعديلات الدستورية التى أجريت والسيناريو المقلوب الذى وضع خصيصا لكى يقوم البرلمان الذى يمثل قوى سياسية بعينها معروفة بأن تضع الدستور، وبهذا تغلبت المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية التى تعانى أضرارا جسيمة الآن.
● فى ضوء إجابتك بماذا تفسر انقلاب الإخوان على المجلس العسكرى فى الفترة الحالية فقد كان خطابهم فى الأشهر الأولى التى أعقبت الثورة يركز على تأييد المجلس فى كافة قراراته، والآن تحمل بياناتهم تلويحا بالتهديد تارة والتصعيد تارة أخرى؟ أظن أن ذلك شىء متوقع لأنه كلما زاد التمكين للجامعة كلما قل الاعتماد، بمعنى أنهم آمنوا أن أغلبية مجلس الشعب القادم ستكون لهم، وأن لهم اليد الطولى أو هكذا يتخيلون فى تشكيل جمعية وضع الدستور، وبالتالى الخطابات الناعمة التى كانوا يخاطبون المجلس العسكرى بها باعتباره الحائز على سلطة البلاد قد يكون من المناسب التقليل منها بعض الشىء وهذا مجرد تفسير قد يكون حقيقيا وقد يكون غير حقيقى.
● هل لهذا علاقة بخوفهم من تدخل المجلس العسكرى بطريقة ما فى الانتخابات البرلمانية لمنع تقدمهم؟ المجلس العسكرى لا يستطيع القيام بذلك حتى لو أراد، وأؤكد أن المجلس العسكرى والحكومة لم يتدخلا فى مسار العملية الانتخابية وهذا عن تجربة حيث كنت أحد المرشحين، والشىء الآخر أن الذى تدخل فى القواعد الآمنة النزيهة لسير العملية الانتخابية هى القوى السياسية ومثال على ذلك، فى محافظة الشرقية تنبهت الأحزاب الدينية أو حزبا الحرية والعدالة والنور إلى أهمية الدور الذى يقوم به الموظفون والإداريون داخل لجان الانتخابات فى مجتمع ريفى نسبة الأمية فيه مرتفعة، منذ عدة شهور، فدفعت موظفى التربية والتعليم إلى تقديم طلبات مبكرة لندبهم فى هذه اللجان فى الوقت الذى كان يعزف فيه جميع الموظفون عن القيام بهذه المهمة الشاقة.
وترتب على هذا أن الغالبية العظمة من الموظفين المساعدين للقضاة، كانوا من المتعاطفين مع الحرية والعدالة والنور وترتب على ذلك دائرتى على سبيل المثال أن 71 ألف صوت باطل كانوا قد أعطوا أصواتهم لقائمة الكتلة المصرية التى كنت على رأسها، فكيف تم إبطال هذه الأصوات؟ يأتى الرجل البسيط ويقوم بالتصويت للكتلة فى بطاقة الاقتراع عن قناعة، ويعطيها للموظف كى يضعها فى الصندوق، فيقوم الموظف بوضع علامة أمام الميزان وهو الرمز لحزب الإخوان، أو النور، فترتب على ذلك أن هناك 71 ألف بطاقة بها تأشيرتان، فالتدخلات لم تكن من الحكومة أو من المجلس العسكرى وإنما من طرف القوى السياسية، وهناك قرى بالكامل كان لا يتم السماح فيها إلا لأنصار مرشح معين فقط بالوصول للجان.
● هناك أحاديث أن مجموعة من الشخصيات التى كانت تنتقد المجلس الاستشارى بشكل قوى وتطالبه بالاستقالة، طالبت خلال اليومين الماضيين الانضمام للمجلس، فما مدى صحة ذلك؟ المعلومة صحيحة ولكنى لا أستطيع أن أفصح عن هذه الأسماء.
● وما هدفهم من وراء ذلك؟ هناك الكثير من الناس يحاولون إثبات المواقف الآن، ولو على حساب معايير المصلحة العامة، وأنا تداولت مع أستاذى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد فى موضوع أن هناك ضغوطا شديدة تمارس علينا للاستقالة، حتى داخل الحزب الذى أنتمى إليه (المصرى الديمقراطى الاجتماعى) وأنا قلت لهم اقنعونى وأنا أستقيل، أما قبل أن أقتنع فلن أتخذ خطوة واحدة.
ولا يشك أحد أن أى من أعضاء المجلس يبحث عن منصب أو جاه أو وظيفة لأن عضوية المجلس ليس فيها أى جاه إنما رؤيتى هى إننا قد نستطيع ولو ببطء أن نرشد القرارات التى تصدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وشكوت للدكتور أبوالمجد هذه الضغوط وهذا الهجوم وأنه يمس سمعتنا السياسية من بعض القوى التى تدعى الثورية فهل نستقيل؟ فقال لى كلمة هى الحكمة بعينها، وهى إذا كانت الموازنة بين الأضرار التى تمس السمعة السياسية وبين مصلحة الوطن فمصلحة الوطن أرجح، فهناك عضو مثلا يخرج منفعلا ويعلن الاستقالة أمام التليفزيون ويرجع بعد ذلك يكمل الاجتماعات، وأنا شخصيا أعذر الناس فى ظل جو التهييج الموجود، فالمشكلة ليست فى المجلس الاستشارى، فبالأمس فؤجئت بمكالمة تليفون من صديق مناضل وله عندى مكانة كبيرة، قال لى خطبة لم تقل فى ميدان عابدين أيام عرابى، وقال يسقط المجلس العسكرى، ويسقط المجلس الاستشارى، ويسقط كل من يتعاون من المجلس العسكرى، وأنا أسير فى جنازة أحد الضحايا والذين يتعاونون مع المجلس العسكرى أيديهم ملطخة بالدماء ونصحنى بالاستقالة، والسؤال الذى أريد أن أطرحه لماذا تنتقدون أداء المجلس هل تأخذون على المجلس فى قراراته أو فى مساعيه مأخذا يؤدى إلى إدانته أم لا، السؤال الثانى هل ترون أن انصراف أعضاء المجلس واستقالتهم وما أسهل من ذلك، سيؤدى إلى وضع أفضل مما نحن فيه، وكيف، فإذا أجيب عليها بطريقة تقنع أعضاء المجلس فأعضاء المجلس استقالتهم فى جيوبهم وعلى استعداد لتقديمها فورا.
● طرحت بعض القوى السياسية مبادرة للتسريع بنقل السلطة تتضمن إجراء انتخابات الرئاسة فى 25 يناير، ما رأيك؟ هناك نصوص دستورية تم استفتاء الشعب عليها وهناك قوى سياسية ترفض تماما الاقتراب من هذه النصوص تماما بحجة قدسية الاستفتاء وعدم الالتفاف على إرادة الشعب، وعندما طالبت أنا منذ فترة بتعديل المادة 60 من الإعلان الدستورى وإعادة ترتيب المرحلة الانتقالية كاد أن يتم اتهامى بالكفر والزندقة.
وهنا أوجه تساؤلا لمن يريد إجراء الانتخابات فى 25 يناير، وهو ماذا سيفعلون فى النصوص الدستورية التى تم الاستفتاء عليها، وهل هناك ترتيبات عملية تضمن لنا أن يتم اختيارا يعبر عن مصر فى 25 يناير، فهل خلال شهر سنفتح باب الترشيح ونحدد شروط المرشح، وهل تم التوافق على هذه الشروط؟
● وما رأيك فى اقتراح تشكيل مجلس انتقالى يجمع بين عسكريين، ونواب من البرلمان؟ بصفة عامة المشاركة بين العسكريين والمدنيين فى اتخاذ القرارات فكرة يجب أن نؤيدها جميعا أيا كان شكل هذه المشاركة.
● ما هو موقفك من المليونية التى دعت لها العديد من القوى السياسية تحت عنوان رد اعتبار حرائر مصر؟ سأكون أول المشاركين فيها لأن ما حدث للسيدة المصرية التى تم سحلها فى الشارع والصور التى تناولتها كل وسائل الإعلام شىء بشع وسيئ ولم يقدم عليه نظام مبارك.
● ما هو أهم ما قيل خلال اجتماعكم مع المجلس العسكرى الذى استمر نحو 5 ساعات حول الطرف الثالث الذى يدير التخريب؟ هذه الفكرة قيلت وسألتهم، «من الذى اعتدى على المتظاهرين ومن الذى بدأ بالاعتداء، ومن الذى ألقى قنابل المولوتوف، ومن الذى حرق المجمع العلمى؟»، وكان الرد أن بيان هذه الحقائق لن يتضح إلا بعد التحقيقات، ونرجو أن يتم ذلك، ولكن الأهم أن أى دولة يكون لها عقل مفكر وعيون راصدة يتم تسميتها مؤسسات الذكاء (المخابرات)، فهل لدى الدولة المصرية تقارير معلومات على مستوى معقول من الدقة حول هذا الطرف الثالث الذى يتم التحدث عنه، فالجميع متفقون على أن هناك طرفا ثالثا، والثوار متأكدون من هذا ويقولون السلطة هى التى تدفعه، والسلطة تقول إن هناك طرفا ثالثا يتمثل فى أولاد الشوارع والذين يدفعهم بعض القوى الإقليمية التى لا تريد لمصر خيرا، والإجابة على هذا السؤال لن يستطيع أن يجيب عليها أحد فى مصر إلا أجهزة جمع المعلومات.
● ما هو رأيك فى خطاب رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزورى الذى ألقاه عقب اندلاع الأحداث الأخيرة؟ ذكرنى بتصريحات الدكتور عاطف عبيد عندما حرق قطار الصعيد ومات نحو 300 شخص وخرج دون أن يتابع التحقيقات أن النار اشتعلت فى القطار لأن الركاب كانوا بيعملوا شاى وهذا منهج حكومى لابد من الكف عنه وهو استسهال إلقاء اللوم على الشعب دون محاولة فك طلاسم ما حدث.
● الدكتور على السلمى، نائب رئيس الوزراء السابق كشف أن حكومة الدكتور عصام شرف لم تكن على علم بعملية إخلاء ميدان التحرير التى فجرت أحداث محمد محمود وأنهم فؤجئوا بذلك فكيف ترى ذلك؟ هو صادق لأنه واضح أن الملف الأمنى خارج تصرف الحكومة سواء حكومة شرف، أو الجنزورى وإنما تحت يدها ملفات التموين والعدل والاقتصاد، أما الملفات الأمنية فاعتقد أنها خارج سيطرة الحكومة خاصة أن عندها وزارة داخلية عاجزة وغير قادرة على عمل شىء.
● السلمى قال إن المجلس الاستشارى لن يوفق ولن يستطيع تقديم أكثر مما قدمته حكومة شرف؟ كيف يحكم على مجلس لم يمر عليه أكثر من أيام.
● ما هو تقييمك بشكل عام لأداء المجلس العسكرى خلال الفترة الماضية؟ هو أداء به كثير من الارتباك على مستوى القواعد الدستورية والقانونية وعلى مستوى الترتيبات المؤسسية، وأنه لو كان قد تم تشكيل مجلس مدنى لحماية أهداف الثورة بعدها مباشرة لكان اختلف الوضع، ولو كنا بادرنا بعد رحيل النظام السابق مباشرة إلى وضع دستور جديد وبناء مؤسسات جديد لكنا قد انتهينا من كل هذه المرحلة الآن.
● ما الذى ينوى المجلس الاستشارى القيام به خلال الفترة القادمة؟ هناك مجموعة من الملفات الجديدة، إضافة إلى الملفات القديمة وهما انتخابات الرئاسة سندرسه ونقترح ونقدمه للمجلس العسكرى لأخذ الخطوات اللازمة لإصداره قانونا، الموضوع الثانى وهو الأكثر أهمية هو اقتراح إجراءات جمعية وضع الدستور القادم.
وهناك موضوعان استجدا، سأطرحهما على المجلس وهما تشكيل مجموعة عمل لدراسة إمكانية تقصير مدة المرحلة الانتقالية سواء بتعديلات تشريعية أو بدون تعديلات تشريعية، والموضوع الآخر خاص بإعادة النظر فى قانون الأحكام العسكرية الذى يتوسع كثيرا فى اختصاص القضاء العسكرى، لأنه المفروض أن نعود باختصاص القضاء العسكرى إلى المعايير المتعارف عليها دوليا بان يكون قضاء نظاميا مختصا بالجرائم ذات الطبيعة العسكرية البحتة وحاليا هو أكثر من ذلك بكثير.
● وما أبرز التصورات التى تنوى تقديمها فيما يخص لجنة صياغة الدستور؟ رأيى الشخصى والذى قد أعدل عنه أن يختار البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى 20 من داخل البرلمان و80 من الخارج وفقا لمعايير تكفل تمثيل جميع فئات المجتمع.