تعيش عمرك على الأمل، وحين يبادرك الأخرون داعيا: العام المقبل على عرفات، تبتسم و تقول: يارب، جمعا .. تضع الجنيه على الجنيه و أنت سعيد بما تفعل، فالفريضة تستحق، ورؤية الكعبة أفضل لديك من متع الحياة كلها، فلما يمتلأ وعاؤك، تحمد الله أن أتم عليك نعمته، لكنك – رغم ذلك كله – قد تقع في قبضة نصاب يتستر خلف اسم جمعية وهمية، ليحصل على أموالك، برضاك، ثم يتركك بلا جواب. لست وحدك سيدي، فهناك عشرات مثلك دنت منهم الآمال بزيارة بيت الله الحرام، فأخبروا كل من يعرفوهم "ان الله قد استجاب لهم و يسر لهم الحج بعد طول معاناة "، غير أنهم استيقظوا على صدمة مدوية سيتابعون بمقتضاها نفرة الحجيج على شاشات التليفزيون، بدلا من أن يشاركوا فيها، والفاعل في كل الحالات، نصاب استباح حرمة الفريضة بقناع التقوى، فجمع المال، ثم اختفى بعيدا عن العيون . أم ليلى، ظلت تحلم بيوم إكمال مصاريف الحج التى تجاوزت الثلاثين ألف جنيه، فذهبت يملؤها الأمل إلى إحدى شركات السياحة بعد أن فاتتها القرعة الحكومية التى يجرى تنظيمها سنوياً. عرفت أم ليلى بهذه الشركة التي تحمل اسما يجمع القرآن بالسنة، من إحدى جيرانها، والأخيرة ليس لها خبرة .. فقط قرأت عنها في الصحف، وعلمت أن صاحبها يدعو إلى مقاطعة اللحوم الدنماركية، فسارعت بالترويج له. اقتنعت أم ليلى و ذهبت الى الشركة السياحية المتخصصة في توفير فرص الحج، ودعت الله، الا يطلبوا أكثر مما جمعت، فلما قابلت المسئولين نجحت في اقناعهم بأن هذه النقود هي كل ما تملك, وعليها مبلغ "حوشته " لتجهيز بنتها، وبالفعل أخذ المسئول بالجمعية كل ما لديها من نقود ووعدها بتسليمها التأشيرة خلال أسبوعين حتى تلحق بموعدها مع الله في الأراضي المقدسة. تقول أم ليلى ل " المشهد" : "خرجت من الشركة في هذا اليوم سعيدة ، ورحت أغني أغنية ليلى مراد " يا رايحين للنبي الغالى هنيالكم و عقبالى" ، فلما وصلت منزلها انهالت عليها التهاني، كما انهالت عليها طلبات الدعاء من الجيران، وأولهم جارتها صاحبة النصيحة. جهزت أم ليلى ملابس الإحرام، وقائمة بالهدايا التي ستعود بها إلى القاهرة، ثم سألت عن سعر صرف الريال السعودي، فلما حسبتها، وجدت أن مبلغ 2000 ريال مناسب جدا لمصاريفها الشخصية، طالما أن شركة الحج قد تكفلت بالانتقالات و السكن و غيرها من تكاليف الفريضة. كانت أم ليلى تتابع أخبار أفواج الحجاج على شاشة التليفزيون، وقلبها مطمئن بأنها ستلحقهم خلال أيام، لكن الأيام مرت، دون أن يتصل بها أحد، اتصلت برقم هاتف الشركة، فجاءها الرد: عفوا .. الهاتف مغلق، ذهبت بنفسها للمقر، فلم تجد الشركة، وهناك .. بكت. و كغيرها ممن تعرضوا للنصب، قررت أم ليلى أن تشارك في الوقفات الاحتجاجية التي يجري تنظيمها أمام السفارة السعودية ودار القضاء العالي، أملا في الحصول على رحلة حج يستحقوها، أو على الأقل استرداد أموالهم المنهوبة و القبض على من نصبوا عليهم .. إذا كان لمثل هؤلاء سبيل.