فى حوار تليفزيونى ردًا على علاقات "الجهاديين العرب" وتنظيم القاعدة لاحقا، مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، قال أسامة بن بلادن "لقد تقاطعت مصالحنا مع الأمريكيين فى الحرب ضد روسيا، فتعاونا معها، واليوم "وقت التصريحات" اختلفت المصالح فأصبحت عدوا لنا". والتاريخ كل يوم يعيد نفسه، فعندما أرادت عدد من الدول محاربة روسيا قامت بدعم جماعة طالبان والقاعدة والجهاد وغيرها فى أفغانستان، وتحولت الصداقة لعداء بعد ذلك، عندما تضاربت المصالح، إلا أن "الأغبياء" لا يتعلمون فقد أصروا على تربية ورعاية ودعم تنظيمات جديدة، والغريب أن نفس الدول وبقيادة الولاياتالمتحدة وحلفائها فى أوروبا مارسوا نفس النهج القديم، ووفروا الرعاية والخدمات اللوجستية لجماعات بعينها، لتصبح ذراعها فى بقاع الأرض. وبعد فترة ينقلب السحر على الساحر، و"داعش" نموذج واضح فى هذا الشأن، فرفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تلتزم بحرب مصر على الإرهاب محليا، وفى كل الاجتماعات التى جرت بشأن الحرب على الإرهاب، وضعت الشروط والمناطق، إلا دعم مصر فى معركتها، وكان همها من سيتحمل فاتورة محاربة داعش؟ وتركز سعيها على أن يتحملها العرب، ودول الخليج تحديدا، ليس ماديا فقط بل معنويا، وربما بشريا، وسعت أيضا للحصول على موافقة ودعم مصرى كامل. وظلت أجهزة الغرب والأمريكان، ومن الأبواب الخلفية، تدعم وتستضيف فصائل وتنظيمات من كل لون، وجميعها تحمل أفكارًا أكثر تطرفا، وفى العلن تدعى أنها تحارب الإرهاب، بينما الحقيقة أنها لا تريد الاستقرار فى دول الشرق الأوسط. وبرز الخلاف بين بعض دول أوروبا والولاياتالمتحدة حول أولويات مكافحة الإرهاب، وكانت العراقوسوريا أرض الخلاف، بينما تركوا مناطق أخرى تنشط فيها بؤر الإرهاب، فى وقت تعتمد فيه التنظيمات الإرهابية على خدمات لوجستية تقع تحت رقابة قوية فى الولاياتالمتحدة، نظرا لأن كل خدمات الإنترنت فى العالم، تصب أولا فى مراكز متخصصة فى الولاياتالمتحدة، لتخضع لرقابة وفلترة، والسؤال كيف ستكون الرقابة على تنظيمات تعمل خارج القانون. وليس غريبا أنه، ووفقا لتقارير استخباراتية دولية، بعد ساعة واحدة فقط على ظهور "تنظيم داعش" شكل الاتحاد الأوروبى وحدة متخصصة فى جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول" تقوم بتعقب حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى لها علاقة بتنظيم "داعش" وحجبها، وعمل هذا الفريق مع شركات التواصل الاجتماعى لتحديد هويات زعماء التنظيم على الإنترنت. وتستتند "اليوروبول" إلى خبرات تراكمية فى مراقبة المواقع المتطرفة على الإنترنت، إضافة إلى المعرفة الواسعة بالمحتوى المتطرف والقدرات اللغوية الجيدة ومن بينها إتقان اللغة العربية، بما فى ذلك أكثر من 46 ألف حساب لدى داعش على تويتر ينجح فى استقطاب الأنصار والداعمين فى كل العالم. ووفقا للمعلومات فإن الوحدة التى عدد أفرادها 15 إلى 20 شخصا تتابع مستخدمين رئيسيين لشبكات التواصل الاجتماعى يقومون بنشر آلاف التغريدات ويديرون حسابات تستخدم لاستقطاب المتطوعين والمقاتلين. ومنذ البداية سارعت الحكومات الأوروبية على المستوى هى الأخرى إلى وضع خطط لمواجهة "داعش" فى إطار السياسة الأوروبية الشاملة، وفى هذا السياق أنشأ الجيش الفرنسى خلية على شبكة الإنترنت تضم 50 خبيرا عسكريا للحد من تأثير "داعش" فى الفضاء الإلكترونى. وقبل سنوات قالت أوجست هاننيج رئيس الاستخبارات الألمانية سابقا: ينبغى أولاً أن نعرف جذور التهديدات الإرهابية، ومن يمول هذه الجماعات ويساعدها على التنامى والانتشار، وهو ما نعول عليه". ورغم كل ذلك حدثت الاختراقات، وفلتت من أنظمة استخباراتية تنفق مئات الملايين من الدولارات، لترتكب جرائمها، باستخدام أسلحة من صناعة أوروبية وأمريكية، وربما تكون تلك الأسلحة هى أول يستخدمها هو التنظيم ذاته. ولا شك أن أحداث باريس تؤكد مجددا أن مكافحة الإرهاب لابد أن تتم بتجفيف دعم الكبار والصغار لهم، ووقف تدفق الأموال على داعش، فما حدث ليس ببعيد عما يجرى فى سورياوالعراق، ومن يدعم داعش فى هاتين البلدين، وفى سيناء هو ذاته من يدعم مرتكبى هجمات باريس، ولابد أن يعى الجميع أنهم أمام عدو واحد، والعمل الفردى لن يجدى، فالإرهاب أخطر من أى شىء آخر. وداعش تبنت العمليات بنفس سياق هجمات بيروت والإعلان المسبق لحادث الطائرة وعشرات الأحداث الأخرى، وهو ما يؤكد أن الجرائم واحدة والفاعل واحد والدعم غربى والادعاء الدفاع عن الإسلام والمطمع ليس إلا السلطة والضحية قتلى فى بلداننا فى سورياوالعراق ومصر وتونس وليبيا، والبقية أطلال دول. المواجهة تتطلب لابد أن تكون جماعية، فقد ارتعدت أوروبا وأمريكيا بعد هجمات باريس، وفى كل المدن الأمريكية الكبرى قامت بتعزيز انتشارها تخوفًا من حدوث أى هجمات إرهابية، أليس هذا كافيا لمزيد من التعاون وتبادل المعلومات، فباريس كان لديها توقعات بأن هناك هجمات إرهابية ستقع، ولكنها لم تكن تعلم متى وفى أى مكان، ونيوريوك لديها معلومات بتهديدات عن هجمات إرهابية، ولاشك أن عدم التحديد يجعل مواجهه الخطر أكثر صعوبة، إلا من خلال التعاون بما فيها دولنا.