وضعت العصافير خطة بالتعاون مع بعض الطيور لإنهاء صراعها مع الصقور، انتهت بقيام العصافير باستدراج الصقور، ودعوهم ليقدموا لهم أبناءهم الصغار قربانًا داخل خيمة ثم تركوهم داخل الخيمة وقاموا بإشعالها وحرقهم وسط صيحات وصراخ الصقور، وهكذا كانت نهاية المعركة وسط غناء العصافير والطيور نشيد بلادى بلادى احتفالا بحرق الصقور. تعودت الصقور على التهام أبناء العصافير كل صباح، دون رحمة أو شفقة، فما كان من حكيم العصافير سوى وضع خطة محكمة للقضاء على كل الصقور فى لحظة واحدة بإحراقها داخل خيمة الطعام، هذا ما تحكيه قصة وضعتها وزارة التربية والتعليم بكتاب اللغة العربية للصف الثالث الابتدائى فى الفصل الدراسى الثانى صفحة 62 وحتى صفحة 81 لمن يريد مطالعتها، إذن داعش ليست وحدها من تحرق أعداءها أحياء، ولا الداخلية فقط من تحرق المرحلين بالغاز فى عربة الترحيلات، ولكن العصافير أيضًا، حسب وزارة التربية والتعليم، ليصبح حرق الأعداء أسلوب حياة وطريقة للانتقام منهم نعلمها لأطفالنا فى الصغر لكى ينفذوها فى الكبر عندما يعجزون فى مواجهة خصومهم. المطالع للقصة التى وضعت لأطفال لا يتعدى عمرهم 9 سنوات يستخلص منها، أن هؤلاء التلاميذ الصغار سوف يشرح لهم معلمهم خطة العصافير فى التخلص من أعدائهم الصقور بطريقة الحرق، وحتما سوف يثنى على حكمة زعيم العصافير ووزرائه الأفذاذ فى التخلص من بطش وعدوانية الصقور التى تلتهم صغار العصافير كل صباح، وأنه لم يكن هناك حل أمام العصافير سوى بحرق خيمة الصقور على من فيها، وبذلك يكتسب الطفل الصغير مناعة ضد حرق الأعداء وهم أحياء فى سبيل أن يعيش بمفرده فى هذا الكون، بدون أعداء يعكرون صفو حياته، ونتيجة لتعزيز ثقافة الحرق هذه لن يجد هذا الطفل، الذى سيصبح شابا قويا فى المستقبل القريب أى وخز من ضمير عندما ينضم إلى جماعة إرهابية تعلمه حرق الأعداء وهم احياء، فقد تعلم ذلك منذ صغره على يد وزارة التربية والتعليم، بدلا مثلا من العيش فى مكان آخر بعيدا عن الصقور، أو إيجاد طريقة أخرى لحماية صغار العصافير من بطشهم. أنا هنا لا أريد الدفاع عن ثقافة الصقور التى تهوى التهام صغار العصافير دون ذنب أو جريرة ارتكبوها، ولكن نحن فى مقام تعليم تلاميذنا الصغار ثقافة التعايش السلمى، وليس حرق الأعداء، وكان من الممكن بل الواجب على كاتب هذه القصة أن ينهيها بطريقة أخرى غير هذه النهاية، التى تبذر فى عقول وقلوب الصغار أن الحل هو حرق الأعداء حتى نعيش فى سلام، فكيف لنا أن نمحوا طريقة الحرق هذه من عقولهم وهم يجدونها تطبق بحرفية فى واقع حياتهم اليومى من قبل تنظيمات مثل داعش وغيرها، بل من قبل أجهزة أمنية فى بعض الدول ضد أبنائها؟ يا سادة لماذا لا تعلمون الصغار ثقافة تقبل الآخر والتعايش السلمى، لماذا لا تعلمونهم "حب لأخيك ما تحب لنفسك" وأن حسن الجوار هو أخلاقنا التى تربينا عليها، وأنه من واجب الجار الاطمئنان على جاره، وإذا وجده جائعا يقدم له الطعام، وأن للجار حقوقا كثيرة على جاره، ليس من بينها الحرق بالطبع، أننا بتعلمينا للصغار هذه النوعية من القصص، والتى ترسخ فى عقولهم، نقدمهم لقمة سائغة لجماعات التطرف والعنف ليشكلوا وعيهم مستقبلا، بعد أن نكون نحن من وضعنا اللبنة الأولى فى عقولهم بهذه الطريقة للتخلص من الأعداء، خاصة أن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، لا نستطيع تغيير المفاهيم التى اكتسبها الطالب بسهولة فى المستقبل عندما يكبرون ويكونون قد تضربوا بهذه الثقافة العنصرية، والتى لن يستطيعوا الفكاك من أسرها، لأنها ستشكل أسلوب حياتهم واختيارتهم فى المستقبل، وساعتها لن ينفع الندم على جيل سلمناه بأنفسها وبإردتنا لمن لا يعرفون الرحمة. موضوع مشابه لهذا ورد فى كتاب الفقه لطلبة المعاهد الأزهرية، وهو يحوى فتوى بجواز أكل لحوم الأسرى من الأعداء، وحسنا فعلت إدارة المعاهد الأزهرية بحذف الموضوع، وليت وزارة التربية والتعليم تحذوا حذو الأزهر وتحذف هذه القصة أو تغير نهايتها وفق ثقافة التعايش السلمى، التى يجب أن نسعى لأن تسود بيننا حتى نستطيع العيش فى سلام مثل بقية شعوب الأرض. هذا والله أعلم. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية