تتواصل الاشتباكات في مختلف أنحاء سوريا بين قوات الحكومة وقوات المعارضة عقب مقتل أربعة من كبار المسئولين الأمنيين في الحكومة الأربعاء الماضي في هجوم انتحاري عرف بعملية بركاندمشق. وكان آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الأسد، وداوود راجحة وزير الدفاع، وحسن تركماني معاون نائب رئيس الجمهورية ورئيس خلية الأزمة قد لقوا حتفهم في التفجير الذي وقع في مبني الأمن القومي، ثم أعلن التليفزيون السوري ان رئيس المخابرات السورية هشام اختيار توفي متأثرا بجراحه صباح الجمعة. ووصف مجلس الوزراء السوري الهجوم الانتحاري بأنه مؤامرة كبري تستهدف سوريا بدعم من قوي خارجية. وأكد في بيان أن "الحكومة السورية رئيساً وأعضاء يعلنون اعتزازهم وفخرهم بهؤلاء القادة وبشهادتهم وتحليهم بروح الشجاعة والإقدام في مسيرة حياتهم العسكرية والإنسانية وقد كرمهم الله تعالي بشرف الشهادة التي كانوا ينشدونها دفاعاً عن سوريا". وأدت تصفية المسئولين الأربعة إلي زيادة التوقعات بقرب القضاء علي نظام الرئيس السوري بينما توعد الجيش السوري مرتكبي التفجير بملاحقتهم و بالقضاء علي من أطلق عليهم "عصابات المجرمين". في الوقت الذي أعلن فيه السفير الروسي في فرنسا، الكسندر أورلوف، أن الرئيس بشار الأسد يوافق علي التنحي بطريقة حضارية، نفي التليفزيون السوري الرسمي موافقة بشار الأسد علي ترك السلطة في بلاده. المعارضة تسيطر علي المعابر أعلنت المعارضة المسلحة سيطرتها علي معابر علي الحدود مع كل من العراق وتركيا، و أعلن الجيش السوري الحر سيطرته علي المعبر الحدودي علي الطريق السريع الرابط بين بغداد ودمشق في بلدة البوكمال السورية الحدودية وكذلك أعلنت المعرضة المسلحة عن سيطرتها علي معبر باب الهوي علي الحدود السورية - التركية في محافظة ادلب. غير أن وزير الدفاع الجديد فهد القاسم الفرسج أكد أن قوات الجيش لا تزال تسيطر علي الموقف ونفي أن تكون هناك انقسامات داخل الجيش. وأدي تصعيد الاشتباكات إلي وقوع أكبر عدد من الضحايا منذ اندلاع الثورة السورية، فقد أعلنت منظمات حقوقية سورية أن حصيلة القتلي الذين سقطوا فقط يوم الخميس الماضي بلغ 248 قتيلاً علي الاقل من بينهم 109 من المدنيين، وهي اعلي حصيلة من القتلي في يوم واحد من الصراع. وسقط ضحايا الخميس في أنحاء متفرقة من سوريا منها دمشق العاصمة، ودرعا وحمص وحلب وادلب ودير الزور و حماة. ورداً علي هجمات قوات المعارضة المسلحة، صعدت القوات الحكومية من هجماتها باستخدام المروحيات والدبابات لأول مرة في القتال الدائر في دمشق. ووصفت الولاياتالمتحدة التصعيد الأخير في سوريا بأنه ينذر بأن الرئيس بشار الأسد بدأ يفقد السيطرة. وقال وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، إن علي الرئيس السوري أن يتنحي حقناً للدماء. فيتو روسي وصيني وعلي الصعيد الدولي، لم تنجح الجهود الدولية في استصدار قرار من مجلس الأمن لفرض عقوبات علي النظام السوري بعد أن استخدمت كلا من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) لإجهاض مشروع قرار كانت قد طرحته بريطانيا في مجلس الأمن الدولي بينما صوّت باقي الأعضاء لصالح القرار. يذكر أن هذه هي المرة الثالثة التي استخدمت فيها روسيا و الصين حق النقض لإجهاض قرارات حول سوريا وسط استياء دولي كبير.و قال مارك ليال جرانت، المندوب البريطاني لدي الأممالمتحدة، "إن المملكة المتحدة تشعر بالاشمئزاز إزاء استخدام روسيا والصين حق النقض". في المقابل، اتهمت روسيا الدول الغربية بمحاولة استخدام قرار مجلس الأمن للتدخل العسكري في سوريا. وقال فيتالي تشوركين، المندوب الروسي لدي الأممالمتحدة، "إن مشروع القرار يسعي لتوسيع استخدام العقوبات الاقتصادية والتدخل عسكريا في شئون سوريا الداخلية. لن تمر محاولاتهم لاستغلال مجلس الأمن لتنفيذ خططهم لممارسة الضغوط علي الدول المستقلة". وعلي الرغم من استمرار القتال بين قوات الحكومة و قوات المعارضة، غادرت البعثة التابعة للأمم المتحدة لمراقبة السلام دمشق بعد أن انتهي عملها علي مدي التسعين يوماً الماضيين. وقال الجنرال روبرت مود، رئيس البعثة، قبيل مغادرته دمشق "أرحل وأنا راض عن أنني ومعي نحو 400 من النساء والرجال الشجعان. بذلنا قصاري جهدنا في ظل ظروف تنطوي علي تحديات كبيرة. من أجل الشعب السوري نحتاج قيادة فعالة من مجلس الأمن ووحدة حقيقية حول خطة سياسية ترقي إلي تطلعات الشعب السوري وتقبلها الأطراف. لابد أن تكون الحكومة والمعارضة علي استعداد لتقديم التنازلات اللازمة والجلوس علي مائدة المفاوضات". غير أن مجلس الأمن الدولي، صدق علي قرار تمديد عمل فرق المراقبين ثلاثين يوماً بعد أن علقت معظم نشاطاتهم في السادس عشر من يونيو الماضي. ويعمل هؤلاء ضمن إطار خطة المبعوث الدولي كوفي عنان للسلام. شبح حرب أهلية من ناحية أخري، قالت المفوضية العليا لغوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة إن نحو 30 ألف لاجئ سوري فروا الي لبنان في ال 48 ساعة الاخيرة، فيما يعد زيادة كبيرة لعدد الفارين من البلاد. وتقول التقارير الاخبارية إن اعدادا اخري من اللاجئين فرت باتجاه الحدود مع الاردن وتركيا والعراق. وفي وقت لاحق، قرر مجلس الامن التابع للامم المتحدة تمديد مهمة المراقبين الدوليين في سوريا 30 يوما. الوضع المتأزم في سوريا يتحول إلي شبه حرب أهلية تصاعدت فيها أعداد الضحايا، و شهدت صراعاً إقليمياً ودولياً بين الدول المناصرة لنظام الأسد (روسيا و إيران) و الدول المعارضة له (السعودية و تركيا و قطر). وداخلياً، تتمثل مظاهر الحرب الأهلية في الانشقاقات الشعبية و الانشقاقات داخل الجيش والتي نتج عنها الجيش السوري الحر المنشق عن الجيش والذي يمثل نحو 25 % من المقاتلين المعارضين. وتتكون قوات المعارضة المسلحة من المنشقين عن الجيش و الشباب المستقل ومن الجماعات الإسلامية المسلحة، وتهدف تلك القوات إلي القضاء علي نظام بشار الأسد في عملية أطلقوا عليها زلزال سوريا تستهدف نقل المعركة الأخيرة من القتال إلي دمشق. ووصف عبد الباسط سيدا، رئيس المجلس الوطني السوري المعارض في روما، الأحداث الأخيرة بأنها تشير إلي أننا نشهد "النظام في آخر أيامه". أما العميد السوري المتقاعد، عقيل هاشم، فقال إن سيطرة الجيش السوري الحر علي المنافذ الحدودية هي المرحلة الثالثة من مراحل الثورة السورية بعد أن انتهت المرحلة الأولي و هي مرحلة التظاهر السلمي، و المرحلة الثانية وهي مرحلة الانشقاقات. وستشهد المرحلة الثالثة، وفقاً لعقيل هاشم، تحولا كبيرا إلي استراتيجية الهجوم بهدف قلب النظام. معركة تحديد مصير الوضع في سوريا بعد الاغتيالات الأخيرة يشير إلي أن النظام السوري دخل معركة تحديد مصير مع قوات المعارضة، و إلي أن الاحتمالات باتت أقرب من ذي قبل إلي انتهاء هذه المعركة لصالح المعارضة مع تكلفة عالية من الضحايا. فالنظام السوري لايزال يمتلك آليات دفاع قوية و منظمة علي رأسها الفرقة الرابعة، و الحرس الجمهوري، والوحدات الخاصة، وأجهزة الأمن الأربعة الرئيسية التي تضم حوالي 150 ألف شخص وهي المخابرات العسكرية، والوحدة الشعبية السياسية التابعة لوزارة الداخلية، وإدارة أمن الدولة، وإدارة مخابرات القوي الجوية. ويشير عقيل هاشم أيضاً إلي أن النظام السوري يحظي بدعم خارجي من روسيا، و من جيش مقتدي الصدر في العراق، ومن الحرس الثوري الإيراني، ومن عناصر " حزب الله" في لبنان. الاحتمالات لاتزال مفتوحة، و النظام السوري في موقع المدافع. يري البعض أن عدة سيناريوهات قد تكون متوقعة منها اغتيال الرئيس السوري، و منها فراره و أسرته، و منها انقلاب عسكري. وبدت في الساحة الداخلية، استعدادات إسلامية للمشاركة في نظام ما بعد بشار. فمؤخراً، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عن نيتها تشكيل حزب سياسي. وقال علي البيانوني، رئيس المكتب السياسي للجماعة، إن قرار إنشاء حزب إسلامي سيكون مفتوحاً للجميع وسيعمل علي إقامة دولة مدنية ديمقراطية وتعددية. وقال ملهم الدروبي، الناطق باسم الجماعة "نحن مستعدون لما بعد الأسد، ولدينا خطط للاقتصاد والقضاء والسياسة.