عندما أعلنت سلطات الآثار السعودية مؤخراً نبأ اكتشاف نقش هيروغليفي للملك رمسيس الثالث أكدت أنها المرة الأولي التي تكتشف بالجزيرة آثار مصرية قديمة.. وتعجب الكثيرون من مثل هذا الكشف واعتبروه "نادراً" ويستحق الاهتمام. لكن ما غاب عن الكثيرين أنه ليس الكشف الأول من نوعه، وأنه قد كشف العديد من الآثار المصرية في شرق ووسط وشمال الجزيرة ونشرت في الدوريات العلمية المختلفة وهو ما يؤكد عمق العلاقات التاريخية بين المنطقتين منذ فترة طويلة سبقت دخول الإسلام. آثار مصرية في تيماء تقع تيماء في شمال غرب الجزيرة العربية، وقد عثر بها علي نص باسم قصيدة نبونيد (وهو ملك بابلي كانت تيماء تحت سيطرته)، وقد كتب هذا النص أحد معارضي هذا الملك، ويسجل هذا النص قيام نبونيد (Nabonidus) في تيماء باستقبال وفد الصلح الذي بعث به ملك مصر أمازيس الثاني (Amosis II) ، خلال الأسرة السادسة والعشرين الفرعونية 570 - 526 قبل الميلاد، ومن ثم فقد تمكن هذا الملك من إحلال السلام وإعادة العلاقات الودية مع مصر بعد أن اتصفت منذ عدة قرون بالحرب والعداء. وكان لتردد المصريين علي تيماء واتصال أهل تيماء بمصر الفضل في ظهور اسماء مصرية في تيماء، فورد علي الوجه المخصص للكتابة الآرامية علي مسلة في تيماء تتحدث عن قيام كاهن يدعي (Pet-Osiris) ) بت أوزيريس (عطية أوزيريس) بإدخال عبادة صنم جديد إلي تيماء هو (صلم هجم). و يري الباحثون أن هذا الكاهن قد اشتق اسم أبيه من المعبود المصري اوزيريس، وبت أوزير يقابلها في مصر الفرعونية (بادي أوزير) كما وجد في تيماء كتلة حجرية مكعبة عثر عليها بين بقايا (قصر الحمراء) علي أحد جانبيها نقش عليه رأس ثور يحمل بين قرنيه قرص الشمس. وعلي الجانب الآخر، نقش إطار عليه زخارف في شكل زهرة اللوتس، وفي المنتصف إطار عليه النحت لثور يتجه إلي اليسار يحمل بين قرنيه قرص الشمس، وأمامه سيدة تقدم الطعام للثور، وأعلي الثور قرص شمس مجنح. ومن المعروف أن الثور وقرص الشمس والشمس المجنحة هي من الرموز المعروفة في الحضارة المصرية والمرتبطة بالآلهة المصرية القديمة. ووجود هذه الآثاء بتيماء يدل علي وجود مراكز لعبادة الآلهة المصرية بهذه المناطق أو وجود جالية مصرية كانت تعيش بها. ولا يمكن لهذه المظاهر ان تكون قد ظهرت في تيماء بشكل مفاجئ أو في زمن قصير خلال القرن السادس والخامس قبل الميلاد فقط، بل إنها قد تكون نتاج تاريخ أطول من العلاقات والاتصالات بين مصر وتيماء عبر عصور أقدم. علاقة مصر بدولة لحيان في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد تغير اسم دولة ددان إلي (لحيان)، وكان مقرها في (واحة العُلا) بضم العين، قرب وادي القري إلي الشمال الغربي من المدينةالمنورة بنحو 328 كيلو مترا. وقد توثقت واتسعت علاقات لحيان بجيرانها بحيث وجدت في لحيان، بضعة تماثيل بالأسلوب المصري القديم، عثر علي بعضها في الخريبة المجاورة للعلا، ويرجع تاريخها إلي ما بعد القرن الخامس قبل الميلاد، ويبدو أن أصحابها كانوا من حكام لحيان او أثريائها، وقد أعجبوا بأمثالها في مصر فانتدبوا فنانين مصريين، قاموا بنحتها من الصخر المحلي في منطقة الخريبة، جمعوا فيها بين تقاليد الفن المصري في جسم التمثال وبين ملامح وأغطية الرأس اللحيانية، في الرأس والوجه. وتوثقت هذه العلاقة بين لحيان ومصر في عصر البطالمة، ويبدو أنه قامت مفاوضات بينهما في عهد بطليموس الثاني في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد، لخروج المتجر الواصلة إلي لحيان برا وبحرا بطريق مباشر من ساحلها إلي أحد الموانئ المصرية المقابلة لها علي الساحل الغربي للبحر الأحمر، ولهذا يقل وصول هذه المتاجر إلي خصوم الطرفين من الأنباط والسليوقين في جنوب بلاد الشام. آثار مصرية في مدينة الفاو تبعد قرية (الفاو) حوالي 700 كيلو متر إلي الجنوب الغربي من مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وتعرف كذلك باسم (قرية). وكانت الفاو تقع علي الطريق التجاري الذي يربط بين جنوبي الجزيرة العربية وشمالها الشرقي، حيث كانت تبدأ من ممالك (سبأ ومعين وقتبان وحضرموت وحمير) متجهة إلي نجران، ومنها إلي الفاو (قرية)، ومنها إلي الأفلاج فاليمامة ثم تتجه شرقا إلي الخليج العربي وشمالا إلي وادي الرافدين وبلاد الشام. وهي بذلك تعتبر مركز تجاريا واقتصاديا مهما في وسط الجزيرة العربية. ومن أبرز ما عثر عليه في الفاو (قرية)، التمثال الرائع الذي عثر عليه في معبد تم اكتشافه في الفاو، وهو من البرنز لطفل مجنح علي رأسه التاج المصري المزدوج ويمسك بيده اليسري قرن الخير به عنقود عنب مقربا سبابته بيده اليمني من فمه وتتدلي خصلة من شعره علي جانب رأسه. وهذه الملامح كلها هي للطفل (هاربوكراتيس) أو حورس باغرد (حورس الطفل)، ابن الإلهة إيزيس في أسلوب هلينستي وروماني، لكن أعيدت الصياغة هنا حيث تتدلي علي صدر الطفل دلاية تميزت بها التماثيل البرنزية التي اكتشفت في جنوب الجزيرة العربية. ويكثر وجود الطفل المجنح أو المخلوقات الآدمية المجنحة في أنحاء العالم القديم منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وخصوصا في منطقة الشرق الأدني القديم، وهي ذات طابع ديني أسطوري، واستمر ظهور الطفل المجنح إلي ما بعد القرن الأول الميلادي وبكثرة. ولكن تمثال طفل (الفاو) يختلف عما يماثله حيث أضيفت عليه الرموز المختلفة التي أدمجها فنان الفاو مع بعضها في انسجام وتوافق وبحيث استطاع أن يخرج لنا تحفة فنية لم تقع أعيننا علي مثيل لها، فالتاج المزدوج وهو المكون من تاج مصر العليا الأبيض وتاج مصر السفلي الأحمر، وكان يرتديه الملك في مصر القديمة. كذلك عثر في أطلال معبد في الفاو علي تمثال من البرنز لشخص جالس علي ساقيه وهما منثيتان إلي الخلف ويده ممدودتان فوق فخذيه، ويبدو في وضع خشوع وتعبد ويوحي هذا التمثال بمظهره العالم بأنه متأثر بالفن الفرعوني، ولكننا لأحظنا أن أصابع الأيدي في التماثيل الفرعونية الجالسة تنتهي بنهاية الركبة، بينما تنتهي أصابع هذا التمثال بنهاية عضلة الفخذ ولا تصل إلي النهاية، ويبدو التأثير الفرعوني واضحا - أيضا - فيما يعلو رأسه ويغطيها، وفي الخطوط المتوازية لتبدو علي الإزار الذي يتأزر به. و من المعروف أن أبا الأنبياء إبراهيم -عليه السلام - قد جاء إلي مصر في فترة من الفترات - احتار العلماء في تحديدها بالضبط، وقد تزوج إحدي المصريات وهي السيدة هاجر التي أنجبت له ابنه إسماعيل -عليه السلام - ومن نسله جاء العدنانيون الذين أتي من نسلهم محمد صلي الله عليه وسلم. كذلك من المعروف أن مصر، كانت تصدر المنسوجات الكتانية لبلاد العرب في العصور القديمة وحتي بعد ظهور الإسلام. وكان العرب يطلقون علي العباءات التي يرتدونها، وهي من قماش مصر اسم (قباطي) نسبة إلي الأقباط أي المصريين. - ويذكر أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - كانت لديه قبطية (أي عباءة من نسيج مصر)، وهكذا أصبحت كلمة قبطية مرادفة لكلمة عباءة وجمعها قباطي. - ولا نستطيع أن ننسي جميعا وصية الرسول للعرب، بأن يحسنوا للقبط أي المصريين، لأن لهم فيهم (رحما ونسبا)، والرحم يقصد به السيدة هاجر أم إسماعيل -عليه السلام - والنسب يقصد به السيدة مارية القبطية، زوج الرسول وأم ولده إبراهيم. العلاقات المتبادلة بين مصر واليمن ربطت مصر واليمن علاقات تجارية ترتب عليها تبادل للثقافات والتأثيرات الفنية نظرا لاستيراد البخور والعطور للمعابد المصرية من بلاد اليمن التي أطلق عليها المصريون القدماء اسم بلاد بونت وكانوا يطلقون عليها (تانتر) بمعني أرض الإله، وربما هذا اعتزازهم بهذه المناطق بشكل خاص. ومن أدلة هذه العلاقات - ذكر اسم مصر في نقش في معين محفور علي سور مدينة براقش باليمن، دونه رجلان هما (عم صدق) ابن عم هثت و(سعد بن والج) وقد كانا كبيرين علي المصرية (مصرن) وعلي معين المصرية (معين مصرن)، وهو الاسم المصري لمستوطنة معينية، وقد أمرا بتدوين هذا النقش شكرا لمعبودات معينية لأنها أنقذت القافلة التجارية من الوقوع في أيدي الغزاة، ويرجع النص إلي القرن الرابع قبل الميلاد (343 قبل الميلاد). عثر كذلك علي كتابات معينية علي صخور وادي الحمامات ووادي عباد بسيناء، وترجع بعض هذه النقوش إلي عصر قمبيز (الأسرة 26) عندما غزا مصر، وبعضها يرجع للعصر البطلمي. - كما عثر في اليمن علي قطع أثرية مصرية منها جعران يحمل اسم الملك (امنحتب الثالث)، وجعران آخر عليه نقش صقر وقرص الشمس ولوحة صغيرة وتميمة زرقاء للمعبود (بس)، ترجع للأسرة السادسة والعشرين والأسرة التاسعة والعشرين. - عثر علي عدد من المباخر عليها نقوش ورموز مصرية وكذلك مجموعة من التماثيل وموائد القرابين ولوحات تذكارية وأحواض للتطهير والأغتسال في المعابد لها تأثير الفن المصري. -عثر علي نقوش سبئية محفورة علي صخور الصحراء الشرقية في مصر. - تفيد النقوش الفرعونية أن الملكة حتشبسوت، أرسلت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، بعثة إلي بلاد بونت بحثا عن البخور ويبدو أن بلاد بونت المذكورة هي جنوب اليمن وساحل الصومال، لأنها كانت في عهد هيرودس في القرن الأول الميلادي، كانت المنطقة الوحيدة في العالم أجمع التي تنمو فيها شجرة الأقاصيا (البلسم) التي تنتج اللبان الأبيض الزكي الرائحة وذا المنافع العديدة الذي يطلق عليه الفرنسيون اسم الصمغ العربي ، وهو الذي اعتبره المصريون القدماء عنصرا مهما لممارسة طقوسهم الدينية حيث كانوا يحرقونه في هياكلهم العظيمة وفي تحنيط موتاهم ونعتوه بعطر الألهة. ولابد كما رأينا أن الفراعنة كانوا منذ آلاف السنين علي اتصال ببلدان جنوب الجزيرة العربية للحصول علي اللبان والمر والطيور النادرة والأخشاب ذات الروائح العطرية، التي كانت جبال شرق اليمن من اهم مصادرها، إن لم تكن المصدر الأوحد لها، وكذلك للحصول علي الذهب من أطراف الربع الخالي. ولما كان الاتصال بين مصر وبلاد بونت أي جنوب الجزيرة العربية والصومال، يتم بواسطة السفن، ولتيسير هذه المواصلات لجأ الفراعنة إلي شق قناة تربط النيل بالبحر الأحمر ومنه تنتقل السفن إلي جنوب جزيرة العرب. وهكذا عمل المصريون القدماء علي تقريب مواصلاتهم مع بلدان سواحل المحيط الهندي، وأهمها ما كان يحتوي علي اللبان والمر والذهب، وذلك بشق قناة بحرية في الأسرة الثانية عشرة، بين عامي 2000 و1788 قبل الميلاد، أي قبل وصول الجمل للجزيرة العربية بأكثر من 700 سنة. كما أخبرنا المؤرخون بأن قناة الفراعنة قد طمست في وقت ما ثم أعاد البطالمة فتحها، وكان موقعها بلبيس الحالية، ثم طمست مرة أخري إلي أن أعاد الخلفاء المسلمون فتحها وأطلقوا عليها اسم خليج أمير المؤمنين، نسبة للخليفة العادل عمر بن الخطاب 642 م. - وأنا شخصيا أري أن من أهم أسباب اهتمام المصريين القدماء ببلاد بونت، ليس الحصول علي البضائع السابق ذكرها فقط ولكن السبب الأهم في تقديري هو أن يكونوا قريبين دائما من منابع النيل في الحبشة - نظرا للتقارب المكاني بين هذه البلاد ومنابع النيل في الحبشة.