أسعار العملات العربية مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الأحد 13-10-2024 في أسواق محافظة البحيرة    إيقاف حركة القطارات على خط الصعيد    أسعار الأسمنت اليوم الأحد 13-10-2024 في محافظة البحيرة    انطلاق النسخة الافتتاحية من المنتدى اللوجستي العالمي بالرياض برعاية العاهل السعودي    48.52 جنيهاً بالمركزي.. استقرار سعر الدولار اليوم في البنوك    سلوفينيا تدين هجمات إسرائيل على قوات اليونيفيل في لبنان    إسرائيل تحت وابل من 320 صاروخًا خلال "عيد الغفران"    واشنطن بوست: طوفان الأقصى اعتمد على 17 ألف صورة كانت بحوزة حماس    مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة    "القرار كان منصف".. وكيل القندوسي يكشف كواليس جديدة في تحقيقات النادي الأهلي مع اللاعب    السكة الحديد تكشف تفاصيل حادث المنيا: اصطدام جرار بمؤخرة قطار النوم    مصرع مسنة وإصابة 17 أخرين في حادث انقلاب ميكروباص بحدائق أكتوبر    توقعات حالة الطقس اليوم الأحد 13 أكتوبر 2024: تغير مفاجئ وارتفاع في درجات الحرارة    الأوراق المطلوبة لاستخراج القيد العائلي وخطواته إلكترونيًا لعام 2024    الصحة: الدفع ب23 سيارة إسعاف إلى موقع حادث قطار المنيا ورفع درجة التأهب الطبي    هُمام إبراهيم لمصراوي: مصر كانت ومازالت نقطة انطلاق للفنانين العرب نحو الشهرة.. وسأقدم أعمالًا باللهجة المصرية - صور    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الأحد 13-10-2024 في محافظة البحيرة    التعليم تكشف مواصفات امتحانات شهر أكتوبر للعام الدراسي الجديد    ميكالي يواصل التنقيب عن المواهب لبناء جيل واعد في منتخب الشباب    أول قرار من عائلة الطفل «جان رامز» بعد شائعة وفاته| خاص    فيلم أم الدنيا يفوز بجائزة الجمهور في حفل ختام مهرجان فيلم ماي ديزاين (صور)    حزب الله: استهدفنا آلية مدرعة للاحتلال بمحيط موقع راميا    نشأت الديهي: محطة بشتيل ليست موجودة إلا في برلين    القرآن الكريم| نماذج من البلاغة في كتاب الله    عالم أزهري: إعصار ميلتون هو جند من جنود الله ضرب أمريكا    خبير أمن معلومات يكشف أسباب انتشار تطبيقات المراهنات في مصر (فيديو)    خمسة لطفلك| أمراض الخريف الشائعة للأطفال وطرق الوقاية منها    لا تصدقوا استطلاعات الرأى.. دائمًا    خالد الغندور يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي مع عدي الدباغ    اليوم.. انطلاق أسبوع القاهرة السابع للمياه برعاية الرئيس السيسي    سكان فلوريدا يعيدون بناء حياتهم بعد ميلتون    خالد الغندور يكشف كواليس فشل مفاوضات الزمالك لضم محمود ممدوح من حرس الحدود    الاحتلال يستخدم روبوتات لتفجير منازل في غزة    الزمالك يعلق على أزمة إيقاف القيد.. والسبب الحقيقي وراء عدم ضم إيجاريا    مقتطفات من حفل سيارا وباستا وميسي أليوت بالسعودية (صور)    تامر عاشور يوجه رسالة لجمهوره بعد حفله في الإمارات    اللهم آمين| من دعاء الصالحين ل «الفرج والرزق والشفاء»    تعرف على موعد عرض مسلسل «6 شهور» ل خالد النبوي    قد تؤدي إلى التسمم.. 5 أطعمة ممنوع حفظها في باب الثلاجة    إلهام شاهين: سعيدة جدًا بلقب نجمة العرب عن مجمل أعمالي (فيديو)    الدبوماسي محمد غنيم يسلم أوراق اعتماده كسفيراً لمصر في فنلندا    النيابة تقرر عرض جثامين أسرة لقيت حتفها على الطب الشرعي بالشرقية    «المحاربين القدماء» تنظم مهرجانًا رياضيًا فى الذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر    «الأزهر»: نسعى لإدخال الروبوتات الجراحية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ل«المستشفيات»    «يجيد الدفاع والهجوم».. أبوالدهب: حسام حسن كسب الرهان على هذا اللاعب    موعد محاكمة المتهمين بسرقة أجهزة «تابلت التعليم» بمحكمة جنايات الجيزة    «مش عايز أعملك سحر».. مجدي عبدالغني يفاجئ إبراهيم فايق على الهواء    «البحوث الفلكية» يشارك في أسبوع الفضاء العالمي    «الأزهر»: إنسانية الغرب قد «ماتت»    إنفوجراف.. حصاد جامعة أسيوط خلال أسبوع في الفترة من 4 حتى 10 أكتوبر 2024    عضو بالشيوخ: محطة قطارات الصعيد نقلة نوعية للسكك الحديدية واستكمالا لتطوير المنظومة    وزيرة التضامن الاجتماعي تشارك في منتدي البرلمانيين العرب    استعدادًا لفصل الشتاء.. «المصري اليوم» ترصد مخرات السيول في القاهرة والجيزة    الصحة تكشف تفاصيل المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تصفيات أمم إفريقيا - المغرب يكتسح إفريقيا الوسطى بخماسية    بحضور وزير الأوقاف.. "القومي للمرأة" ينظم ورشة عمل "القادة الدينين وبداية جديدة لبناء الإنسان"    تصل ل 9100 جنيه.. تفاصيل زيادة أسعار الانتقال بسيارات الإسعاف والفئات المعفاة منها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المسيحيون بين الوطن والمقدس".. قبل الإسلام "1"
نشر في البوابة يوم 03 - 08 - 2016

تنفرد البوابة القبطية بنشر فصول كتاب "المسيحيون بين الوطن والمقدس" للدكتور إكرام لمعي أستاذ مقارنة الأديان الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب:
الفصل الأول المسيحيون قبل الإسلام:
قبل أن نتحدث عن دور المسيحيين العرب في بناء الحضارة العربية الإسلامية، علينا أن نسأل أنفسنا هل كان في الأصل مسيحيون عرب قبل الإسلام وإذا كانوا وهو المرجح ماذا كان تأثيرهم في بيئتهم العربية؟! وما مدى تفاعلهم مع الحضارات التي عاشوا في ظلها ؟
يبدأ الكتاب المقدس ( العهد الجديد ) بميلاد السيدالمسيح ويسرد تاريخيًا قصة السيد المسيح وتلاميذه في الاناجيل الأربعة متى ومرقص ولوقا ويوحنا ثم بدايات الكنيسة في سفر أعمال الرسل حيث يتحدث كاتبه عن تجمع شعبي في أورشليم للذين آمنوا بالسيد المسيحويذكرالكاتب أن هذا التجمع يحتوي على جنسيات متعددة ممثلة يقول-فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس وآسيا وفريجي وبمفيلية ومصر ونواحى ليبيا التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتا بعظائم الله "سفر أعمال الرسل الإصحاح الثانى الأعداد 9 - 11 هنا نلاحظ بين الحضور عرب اعتنقوا المسيحية وفي رسالة بولس الرسول الذي لم يعاصر السيد المسيح لكنه اعتنق المسيحية يحكى في رسالته إلى كنيسة مدينة غلاطية عن ما حدث معه فور إعتناقه المسيحية قائلًا "لم استشر لحمًا ودمًا ولا صعدت إلى أورشليم، إلى الرسل الذين قبلى، بل انطلقت إلى العربية، ثم رجعت أيضًا إلى دمشق" ( الرسالة إلى غلاطية 1: 16 - 17 ) وغالبا المقصود بالعربية هنا أنه ذهب إلى مؤمنين بالمسيح عاشوا في المناطق الشرقية النائية في دمشق في سوريا لأنه من الصعب تصور أن المسيحية وصلت الجزيرة العربية مبكراجدًا بهذه الصورة ( 1 )، والمرجح أن المسيحية دخلت إلى الجزيرة العربية بعد القرن الثالث الميلادي، فالمؤرخ الكنسىالمشهور يوسابيوس القيصرى وكان أسقف قيصرية يذكر أنه كان هناك مطران من - بصرى - في الشمال الجنوبى للطريق التجارى الشرقي في الأردن، وهناك إشارة لعقد برلمان كنسى بجوار مدينة البتراء في نفس الفترة الزمنية، وذكر يوسابيوس أيضًا أن الإمبراطور فيليب العربى الذي حكم ( 244 م - 259 م ) كان مسيحيًا، لكن كثير من العلماء يرفضون فكرة اعتناق الإمبراطور للمسيحية ويعتبرونها شائعة تطلقها دائما الأقليات كنوع من الإسقاط للإحساس بالذات كما حدث بعد ذلك تحت الحكم الإسلامي حيث أشاع المسيحيون أن الخليفة العباسى المأمون الذي حكم ( 813 م - 833 م )وكان من المعتزلة قد اعتنق المسيحية وكذلك الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الذي حكم مصر ( 969 م - 975 م ) عقب رؤيته لجبل المقطم يتحرك وينتقل إلى مكانه الحالي، وهذه القصة - انتقال جبل المقطم- لم تثبت تاريخيا من الأصل، وكما حدث في عصرنا الحديث بإطلاق هذه الشائعة على د. طه حسين أو جيهان السادات أو سوزان مبارك... إلخ أما في القرن الرابع فقد ثبت أن مجموعة من أسماء أساقفة عرب مسيحيين حضروا مجامع كنسية كبرى (يطلق تعبيرالمجامع على تجمع قيادات الكنيسة في وقت ما لمناقشة قضية لاهوتية -فقهية- تثيرجدلًا عقائديًا ويتكون المجمع من مجموع أساقفة المنطقة ) فمثلًا في قائمة مجمع نيقية(2) 325 م كانت هناك أسماء أساقفة قدموا من الجزيرة العربية من بينهم بامفيليوس أسقف قبيلة -طئ-، وبعد أقل من خمسين عامًا، كان ثيوتونيوس العربى بين الحضور في مجمع انطاكية والذي انعقد
عام 363 م، وعندما اندلعت ثورة عرب سوريا ضد الإمبراطورية الرومانية ظهر اسم الأسقف موسى الذي قام بدور واضح في مصالحة شعبه مع الإمبراطور وإن كانت هذه الإشارات عن الأساقفة ( 3 ) في القرنين الثالث والرابع غامضة وضعيفة لكنها تشير إلى وجود الإيمان المسيحى العربى، وأن المسيحية العربية كان لها نظام كنسى محكم، وبالطبع كانت هناك قبائل عربية اشتهرت بأنها مسيحية مثل الغساسنة والمناذرة ولخم وكانوا في مقاطعة بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الساسانية شمال شبه الجزيرة العربية، وفي القرن الخامس انقسمت الكنيسة المسيحية بسبب قضية طبيعة المسيح هل هي طبيعة واحدة أم طبيعتان ؟ واجتمع مجمع خلقدونية عام 451 م وفشل في حل المشكلة، والمشكلة تتلخص في أن البعض اعتقد أن السيد المسيح مع الله طبيعة واحدة وإرادة ( مشيئة ) واحدة بينما اعتقد البعض الآخر أنهما طبيعتان ومشيئتان ( طبيعة إلهية ومشيئة إلهيةمن جانب وطبيعة إنسانية ومشيئة إنسانية من الجانب الاخر)والاثنان منفصلان تمامًا غير ممتزجين وأصحاب فكر الطبيعة الواحدة الإنسانية الإلهية لهم قول شهير ( اللاهوت "الله" لم يفارق الناسوت"يسوع المسيح" لحظة أو طرفة عين )، أما أصحاب فكر الطبيعتين فيعتبرون أن الإنسان يسوع المسيح هو الذي كان يأكل ويشرب وينام ويتألم ويموت... إلخ أما اللاهوت فلا يشارك في هذا الأمروهذه العقيدة يؤمن بها الكاثوليك وكذلك الكنائس المصلحة ( الإنجيلية ) في كل العالم وإن كانت هذه القضية فلسفية من المستحيل إثباتها ماديًا إلا أنها كانت ضربة قاصمة في ذلك الوقت للمسيحية، حيث اضطهد الإمبراطور قسطنطين الذي انحاز لعقيدة الطبيعتين البطريرك المصرى الذي يؤمن بعقيدة الطبيعة الواحدة للسيد المسيح إلهية إنسانية.
كانت شبه الجزيرة العربية ( 4 ) تشتهر بوجود أسقفيات مسيحية على طول السواحل الشرقية والجنوبية، وهناك إشارات لأسماء أساقفة من الكنيسة الشرقية على طول الخليج العربى حتى أواخر القرن الثالث عشروعلى ساحل اليمن وحضرموت حتى القرن التاسع عشر، وكانت مدينة نجران في شمال اليمن تعتقد في معظمها بنظرية الطبيعة الواحدة للسيد المسيحو في عام 520 م استشهد عدد كبير منهم على يد ذي نواس الملك اليهودى ( سورة البروج 4 - 8 ) مما أدى إلى محاولة الأحباش ( من أتباع لاهوت الطبيعة الواحدة ) أن يجتاحوا المنطقة بتحفيز من الإمبراطورية البيزنطية.
يحكي التقليد الإسلامي أنه كان هناك حاكم مسيحى وسلطة تعتنق مذهب الطبيعة الواحدة يدعى أبرهة الحبشى الذي وصل للملك عام 530 م وشن حملة عسكرية على مكة وفشلت (سورة الفيل ).
من هنا يمكن القول أن المسيحية كانت موجودة ومنتشرة بين القبائل الرئيسية على طول سواحل طرق التجارة وكان رجال الدين المسيحى معروفين إلا أنه لم يكن هناك مؤسسة مسيحية واضحة المعالم مثل التي كانت في العالم البيزنطى وفي مصر حتى القرن الثالث الميلادى.ونحن لا نستطيع الجزم بهذا الأمر.
في نهاية القرن الخامس استقلت الكنيسة الشرقية عن القسطنطينية وانشأت البطريركية الخاصة بها وقامت بدعوة إرسالية وصلت حتى بلاد آسيا ونحو الجنوب وصلت حتى الجزيرة العربية، وهذا يوضح أن الكنيسة الشرقية كانت لها هويتها الخاصة بها مما أعطاها استقلالية واضحة بملامح محددة.
و هناك تقليد إسلامى مؤكد عن وجود صورة أو تمثال للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع ( عيسى ) في داخل الكعبة إلى جوار مجموعة من الأصنام لآلهة أخرى كان العرب يعبدونها حينذاك وعندما دخل العرب
المسلمون في تحريرهم للكعبة حطموا الأصنام إلا أن رسول الإسلام رفض أن تمس صورة السيدة العذراء وووضع يده عليها قائلا:"إلا هذه".
من كل هذا يمكننا القول أن المسيحية كانت موجودة في مناطق كثيرة من العالم العربى حتى القرن السابع الميلادى لكن طبيعتها كانت ضعيفة فقد كانت المسيحية تصارع من أجل البقاء.
إذا كان هذا هو حال المسيحية والمسيحيين في العالم العربى قبل الإسلام فماذا كان حال مصر في الستة قرون الأولى قبل الإسلام؟
بعد أن وصلت حضارة الفراعنة إلى قمتها ونهايتها في ذات الوقت بعد غزو الأجانب وحكمهم لها ثم غزو الإسكندر المقدونى والذي حكمها بعد وفاته البطالمة والذيكان آخرهم الملكة كليوباترا التي ماتت منتحرة عام 34ق.م من بعد هزيمتها في معركة اكتيوم مع حليفها ماركوس أنطونيو، من هنا بدأ حكم الرومان لمصر حيث أعلن أوكتافيوس أ‌وغسطس أنها ولاية رومانية تابعة له شخصيًا وبعد ضعف وسقوط الإمبراطورية الرومانية تحت سلطة القبائل الجرمانية صارت مصر جزءًا من الإمبراطورية الشرقية التي سميت بعد ذلك بالإمبراطورية البيزنطية.
طوال التاريخ المصرى غيرت مصر ديانتها مرتين الأولى من الديانات المصرية القديمة إلى المسيحية والثانية من المسيحية إلى الإسلام ( 5 )
بعد تحطيم الرومان لأورشليم عام 60 م على يد تيطس الرومانى سار المسيحيون بمحازاة البحر الأحمر حتى وصلوا إلى الإسكندرية ( 6 ) وبدءوا الدعوة لديانتهم فيها ويتحدث التقليد عن مرقس الرسول الذي استشهد عام 63 م ولقد كان امتداد المسيحية في بداياتها محدودًا بسبب عدم اعتراف السلطات الرومانية بهذه الديانة الجديدة ومطاردة المؤمنين بها والذي بلغ قمته في عهد الإمبراطور دقلديانوس ( 284 -305 )م حتى أن المسيحيين اعتبروا العام 284 بداية التقويم القبطى المسمى بتقويم الشهداء.
و استمر الاضطهاد حتى وصول قسطنطين إلى الحكم الذي ادعى أنه رأى حلمًا فيه صليب وسمع صوتًا يقول له - بهذه العلامة سوف تنتصر - فأعلن بعد استيقاظه أن المسيحية ديانة تعترف بها الإمبراطورية وذلك في خطاب أرسله من ميلانو بإيطاليا إلى واليه في الشرق يطلب منه وقف اضطهاد المسيحيين ورد ممتلكاتهم وإعطائهم حق ممارسة العبادة وبناء الكنائس، هذه الخطوة كانت وبالًا-في رأيي - ععلى المسيحية والمسيحيين لأن الدين اختلط بالسياسة وتحكم الإمبراطور في الكنيسة رغم عدم فهمه لعقائدها، ودخل المسيحية الآلاف دون إدراك للعقيدة لكن للتقرب من الدولة والإمبراطور بينما قبل ذلك كان الذي يدخل المسيحية يدخلها عن اقتناع كامل ويكون مستعدًا لأن يضطهد ويموت في سبيلها فكانت المسيحية تتقدم ببطء لكن بثقة، ومن أهم مساوئ ما حدث في تلك الحقبة تدخل الإمبراطور في المجامع الكنسية التي تحسم العقائد الدينية ( اللاهوتية ) وهو ليس له تعمق فيها أو حتى دراية بها.
و الحقيقة أنه وقعت تغيرات جذرية منذ أن صارت الكنيسة كنيسة الإمبراطورية، فبادئ ذي بدء كان الآباء المسيحيون الأوائل بداية من القرن الأول الميلادى وحتى ظهور الإسلام يتمحورخطهم العقيدى حول الفكرة القائلة أن الإنسان ينتمى إلى الإنسانية في الإنسان الأول آدم وإلى الإنسانية الروحية في الإنسان الجديد يسوع
المسيح من هنا ومن جهة عقائدية بحتة لم يميز هؤلاء الآباء في تلك الفترة بين المسيحية والأدب والفلسفة والثقافة غيرالمسيحية، لذلك قام المفكرون المسيحيون بالتعمق في دراسة الفلسفة اليونانية والعلوم والفنون التي أنتجتها الحضارات السابقة وساهموا من خلالها في شرح اللاهوت المسيحي فمثلًا يوحنا الرسول استخدم مصطلح "الكلمة" والتي تعني في اللغة اليونانية "العقل المطلق المتحكم والضابط للعالم وظواهره المتعددة بحيث لاتتضارب ولا تتعارض مع بعضها البعض" للتعبير عن شخص المسيح دون تردد وهذايتفق مع الفكر المسيحى الأصيل وذلك لأنهم كانوا يتعاملون مع مسيحية إنسانية وليست سلطوية سيادية إمبراطورية.
في القرن الثانى بدأ يظهر التركيز على مركزية الإدارة الكنسية لأنه لم يكن هناك نظام إدارى مركزى في الكنيسة حتى نهاية القرن الأول بل كانت الكنائس شبه مستقلة، وقد مضت قرابة المائة عام أو نحو ذلك وحتى عصر البطريرك ديمتريوس ( 7 ) عام 189 م ولا نكاد نعرف عن أولئك الذين شغلوا عرش القديس مرقس سوى أسمائهم.إلا أن الطابع المؤسسى والمركزية الإدارية تفشت بصورة قوية ( 8 ) لعدة أسباب أهمها:
أولا: محاولة الكنيسة الوصول إلى صياغة لاهوتية تواجه بها ما عرف بالبدع والهرطقات:
عندما تتجه الكنيسة في الشرق إلى هذا الاتجاه- خاصة وأن علاقتها بالله علاقة قوية صوفية سرية من خلال الإنسان يسوع المسيح - فهى لا شك تضع صياغة لاهوتية في إطار عقلانى مغلق، وهذا الإطار له جانب إيجابى من أجل وضوح الإيمان، لكن جانبه السلبى هو الاختلاف على الكلمات والمصطلحات حيث تصبح المسيحية بقوتها الروحية الداخلية عقيدة يكمن الجدل حولها من خلال النصوص، ولقد بدأ إنتكاس اللاهوت المسيحى بالجدل حول البدع والهرطقات، في الوقت الذي فيه اتسع تفسير وتطبيق الإكليروس للكلمات فصار التفسير بين أيديهم والسلطان أقوى من ذي قبل، وأصبحت لديهم السلطة في استبعاد من يريدون استبعاده وقبول من يريدون قبوله.
ثانيا: قيام حركة مراجعة ما كتبه الآباء:
المثال الصارخ على بشاعة حركة المراجعة إلى تمت في ذلك الوقت هو الحكم على العلامة أوريجانوس السكندري بالحرم وهو ما يساوي الكفر أو الخروج على الدين في الإسلام وكانت هذه بداية تحريم كتابات الآباء الذين كتبوا في القرون الثلاثة الأولى وقد كانت حركة المراجعة هذه تهدف إلى خلق فكر لاهوتى رسمي حول كل الموضوعات المختلف عليها.
ولقد حكم على أوريجانوس بعد 300 سنة من وفاته وتم حرق كل كتاباته، وكانت مشكلة أوريجانوس عندهم هي قوله " يجب وضع حد أدنى للاتفاق وترك الباب مفتوحا للاجتهاد " ولا شك أن حركة المراجعة هذه أغلقت باب الإجتهاد وإلى الأبد في الكنيسة لقد أصبح الاجتهاد كفرًا.
ثالثًا: وأخيرًا فصل الأخلاق المسيحية عن الأساس الخاص بها في العبادة:
و قد أضعف هذا المسيحية بلاشك.
بجانب كل ما سبق جاء تأثير الحركة النسكية والتي صارت مؤسسة قائمة بذاتها تحكم الكنيسة من خلال محاضرات عن المسيحية.
الاشتراط على أن يكون الأساقفة ورئيس الأساقفة من غير المتزوجين ويأتون بهم من الدير ( 9 )، مما جعل لهذه الحركة قوتها، ولا شك أن الحركة النسكية بكل ما تعطيه من تأثيرات نفسية وعمليات تطهير وبعد عن العالم والمجتمع كان لها التأثير في الفصل بين العلمانى(عضو الكنيسة المدني) والإكليروس(طبقة الكهنة) وتقديس الإكليروس، مما فصل الأغلبية العظمى من المسيحيين عن العمود الفقرى للكنيسة، وتركزت كل الأدوار في يد الإكليروس الذين تسلموا التقليد من الرسل الأوائل الذين تسلموها رأسا من مرقس الرسول، ومما جدير بالذكر هنا أن الأربعة بطاركة الأوائل للكنيسة المرقسية الذين أتوا بعد مرقس مباشرة كانوا من العلمانيين وليسوا من الكهنة الاكليروسو هم أنيائوس ( 68 - 83 ) ميليوس ( 83 - 95 ) وكروفوس ( 95 - 106 ) وابريموس ( 106 - 152 ) ثم البطريرك التاسع كالاوتيانوس الأول ( 152 - 166 ) ثم البطريرك الثانى عشر ديمتريوس الأول ( 188 - 230 ) ثم في عصر النهضة الفكرية الكنسية جاء ثاونيانوس ( 952 - 956 ) ومن العلمانيين غبريال الثانى ( 1113 - 1145 ) ومرقص الثالث( 1166 - 1189 ) ثم يؤانس السادس ( 1189-1216 ) ومن عام 1216 إلى اليوم لم يجلس على الكرسى المرقسى أي علمانى.
في القرن الرابع الميلادي وبعد أن صارت المسيحية دين الدولة كما ذكرنا من قبل ( 10 ) تحول الانتماء المسيحى للإنسانية إلى الانتماء إلى المسيحية الرومانية ومن هنا وفي القرن الخامس ظهر فصل بين المعرفة اللاهوتية(الفقهية) والمعرفة العلمانية الإنسانية بكل فروعها، لذلك ونتيجة علاقة الكنيسة بالسلطة السياسية تم تحريم الكتب الوثنية وكذلك تحريم مخالطة اليهود والوثنيين بعد أن كان الزواج المختلط بين المسيحيين من جانب والوثنيين واليهود من الجانب الاخر مباحًا. لقد صدرت نحو سنة 400م تعليمات الإمبراطور بمنع الزواج من الهراطقة ( الوثنيين واليهود) وبعدها صدر قرار بإزالة المعابد غير المسيحية وبدأ منذ ذلك الحين الفصل بين ما هو مسيحى أدبًا وثقافة وبين ما هو غير مسيحى.
لقد أنهت المؤسسة الدينية المسيحية (الكنيسة الرسمية) على الثقافة الوثنية المصرية والثقافة التي واكبتها متمثلة في تراث مدرسة الإسكندرية من العصر الهيلينستي، ففي الإسكندرية معقل الحضارة الهيلينستية قام المتعصبون من المسيحين المصريين بنهب السرابيوم الشهير بأمر البطريرك ثيوفيلوس ( 385- 413م) وبتحريض منه تم تحويل السرابيوم الذي كان معبدًا ومركزًا علميًا ومكتبة إلى كنيسة مكرسة ليوحنا المعمدان وتكررالأمر في أماكن أخرى من البلاد حسبما ذكر المؤرخ المسيحى القبطى يوحنا أسقف نفيوس( 11 )، وقد هرب آخر المثقفين والعلماء في مكتبة الإسكندرية خوفًا على حياتهم بعد ما شاهدوا ما جرى على "هيبا تشيا" الفيلسوفة التي مزقها المسيحيون المتعصبون بعد عظة تحريضية من البابا في شوارع الإسكندرية ثم أحرقوا أشلاءها أمام السرابيوم.
و هكذا صارت المسيحية الديانة الرسمية الوحيدة في مصر خلال القرنين الرابع والخامس واعتنقها غالبية السكان، إلا أن الأمور لم تستقر بسبب مشكلة "طبيعة المسيح" والتي تحدثنا عنها أنفًا عندما أدان مجمعخلقدونية 451 م عقيدة الكنيسة المصرية ( الطبيعة الواحدة للمسيح ) وكان عام 451 م عام وباء اجتاح مصر وقتل مليونين منهم وصارت مصر نحو ثلاثة ملايين وزاد الأمر سوءًا غزو الفرس لمصر في القرن السابع 617 م ودخل معهم الخراب والتدمير، لكن الفرس لم يحاولوا فرض ديانتهم الزرادشتية على المصريين، ولم يستمرالاحتلال الفارسى إلا 11 سنة وانتهى بناء على اتفاق صلح بينهم وبين البيزنطيين.
سنة 629 م وهنا فقد المصريون الثقة في البيزنطيين وحمايتهم وكانوا مؤهلين لقبول الفتح الإسلامي بعد ذلك. (12)
و إذا حاولنا رسم خطًا بيانيًا للإبداع الفكرى الإنسانى المسيحى الشرقى نراه يرتفع إلى قمته في القرن الخامس ثم يهبط قليلا ويصل إلى درجة الصفر في القرن السادس حيث دخل الإسلام إلى مصر ولم يجد فكرًا لاهوتيًا مسيحيًا في إستقباله واستمرت ضحالة الفكر المسيحى في القرن السابع ثم ابتدأ في الارتفاع حتى وصل إلى قمته في دولة الخلافة العباسية في القرن التاسعثم تهاوى مع الخلافة العثمانية في القرن السادس عشر.
في عام 1805م حدث تطور مع مصر الحديثة التي أسسها محمد على وحركة القومية العربية وكان للمسيحيين دورا بارزا في حركة النهضة والقومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.