ميزت ثورة يناير الخبيث من الطيب، وأظهرت معادن الرجال، وظهر مْن كان يحب مصر ويضحى مِن أجلها، ومْن يسخّر مصالح مصر ويستغل الظروف لمآربه الخاصة ... فى هذه الثورة نزل المخلصون وهم يحملون أرواحهم على أيديهم، ينددون بالفساد التى استشرى وجذّر فى التربة المصرية، وأنتج المشاكل والهموم لعموم المصريين ... فى حين كان من ينظر إلى طليعة هؤلاء الثوار ويسخر منهم كما سخر قوم نوح من اتباعه حينما كانوا يصنعون الفلك التى ستبحر بهم إلى شاطىء الأمان، وتنتشلهم من بؤر الاستبداد والطغيان والفساد ... كان هؤلاءالضاحكون قد وقفوا أنفسهم للدفاع عن الطغاة والفراعين نظير مميزات وفرتها لهم هذه الأنظمة الفاسدة من جوائز ومناصب وأراض وعقارات ورحلات إلى الخارج .. كانوا يذهبون إلى مبنى وزارة الداخلية فى (لاظوغلى) لاستلام التذاكر للذهاب إلى الغرب للفسحة والمرح والعربدة والفسق.. وقد سئمت الشعوب من تصرفات الحكام وسدنتهم، فنزلوا إلى الشوارع والميادين يتظاهرون على هذه الأوضاع الفاسدة، ولم يجرؤ أحد من سدنة الفرعون أن يؤيد هؤلاء الثوار... بل وقف إعلام الدولة وإعلام رجال الأعمال وغسيل الأموال يجرح هؤلاء الثوار طوال مكوثهم فى ميدان التحرير، ومن يرجع إلى حلقات هؤلاء السحرة يتبين لهم كم هم متحولين فلما سقط رأس النظام، تحول هؤلاء إلى (ثوار أحرار ... هيكملوا المشوار)، ووقفت الأخت لميس وألأخ خيرى رمضان، ومحمود سعد، وسيد على، وحنان سمرى، وغيرهم من كهنة الإعلام (كتيبة أنس الفقى)، يدافعون بحرارة للحفاظ على نظام مبارك الذى أتى بهم ومن دونه هم إلى زوال ... ولما ذهب مبارك، وقف هؤلاء يراهنون على عودته بما أشاعوه من حالات الاستقطاب وإشاعة الفتنة بين الثوار واختلاق الأكاذيب التى أوغرت الصدور... يساعدهم أصدقاء مبارك من رجال الأعمال أمثال: محمد الأمين، ونجيب ساويرس، وأحمد بهجت، والسيد البدوى شحاته، وإبراهيم المعلم، الذين انفقوا الملايين ببذخ ليحققوا مرادهم ويجعلون الناس تكفر بالثورة، وقد نجحت خطتهم التى جاءت بمرشح الفلول ليناطح مرشح الثورة، وكشفوا عن قناع الزيف ودعموا مرشح الثورة المضادة إلى أبعد حد، وقدموا له الدعاية المجانية على صفحات الصحف المملوكة لهم، وقنوات (البيزنس الحرام) ووقف الرجل (مصطفى بكرى) الذى صدعنا فى الماضى بثوريته وإدعائه معارضة للنظام، إلى جانب مرشح الثورة المضادة فى برنامجه"منتهى الصراحة (الوقاحة)"، لأن سيده صاحب القناة يريد ذلك، وإلا سيطرده، كما طرد محمد الأمين(الكاتب الصحفى حسين عبدالغنى) لمجرد أن عبر برأى يخالف سياسة القناة، وفعل محمد الأمين نفس الموقف مع الإعلامى محمود سعد فقطع عنه الإرسال لمجرد أن طرح فكر يعارض موقف محمد الأمين القيادى السابق بالحزب الوطنى المنحل. بدأ الأستاذ مصطفى بكرى حياته يسارياً وانضم إلى حزب التجمع، وارتفعت عقيرته بالشعارات وإعادة الأمجاد، وبالرغم من هذ، توجس البعض منه خيفه، وقد أثبتت الأيام صدق توجسهم ، فهو يبحث عن مصلحته بإدعائه مصلحة البلاد... وعمل بالصحافة وسخر قلمه للدفاع عن الأنظمة المستبدة فى العراق فوقف حياته للحديث عن أمجاد صدام ووطنيته ونعته ب(الشهيد المنتصر وأنه عاش رجلاً ومات بطلاً )، فلم يفعل لوجه الله ولا من أجل سواد عين صدام أو شعره المصبوغ، فأنه استفاد منه إلى أبعد حد وأغدق عليه الأموال، وكما فعل مع صدام فعل مع نظام الأسد، ونظام معمر القذافى، ومن يعيد مشاهدة حلقته "منتهى الصراحة" على قناة الحياة2 يوم 20/10/2011 يشاهد مصطفى بكرى الذى كادت الدموع تقفز من عينيه حزنا على فراق هذا العقيد ذو اللوثة ، الذى قتل من الأنفس ما لا يحصيه إلا الله، الذى سيفصل بين هؤلاء المرواغين يوم القيامة.. وقد نشر بكرى "كتاب العقيد الأخضر" فى ملحق خاض بجريدة"مصر الفتاة" فى منتصف التسعينيات ..كان يحل ضيفاً على هؤلاء فى الظاهر، والله أعلم ما تخفيه السرائر لأننا لن نتكلم إلا بأدلة . وقد كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك نصيب من مدحه وتزلفه، فكان بكرى يهاجم أى مواطن عدا شخص الرئيس، الذى ظل يمدحه يبرز دوره الوطنى حتى الساعة التاسعة من يوم 11/2/2011 ، ولما خرج مبارك يثير الشفقة فى يوم 1/2/2011 رفع مصطفى بكرى عقيرته واصفاً مبارك بأنه رمز وطنى لا يستحق هذا الجحود وأنه لن يهرب من مصر كما هرب بن على ، و أن الفارق بينهما كبير، فمبارك بطل من ابطال اكتوبر ولايريد إلا الدفن فى مصر!!!، وسبحان مغير الأحوال!!! فبمجرد أن تخلى مبارك للمجلس العسكرى، وقف الرجل يبرز دور المشير، ووقوفه ضد التوريث بالماضى وضد مبارك، وانه حمى الثورة، ورفض الانصياع لأوامر مبارك بضرب الثوار ، الأمر الذى نفاه المشير نفسه فى شهادته أمام محاكمة مبارك ، وتصل السخرية مداها ، فيقدم بكرى البلاغات الكثيرة ضد مبارك وأسرته، وهو الذى سود آلاف الصفحات فى مدح الأسرة المباركية، ولك عزيزى القارىء أن ترجع إلى مقالات بكرى التى جمعها فى كتاب :"بالعقل اوجاع فى قلب الوطن " التى نشرته سوزان مبارك فى مشروعها "القراءة للجميع"، وكأفاها بهذا المدح الرخيص (من هنا فأنا لا أملك إلا أن أوجه التحية إلى السيدة سوزان مبارك راعية هذا المشروع العظيم "مشروع القراءة للجميع "، وهى التى آلت على نفسها أن تخصص كل الجهد وكل الوقت لفتح النوافذ أمام المبدعين والمثقفين والكتاب فى مشروع أصبح حديث الناس ومثار إعجاب الآخرين) ، وسوف نقتطف من هذا الكتاب بعض الفقرات التى تدل على تحول هذا الرجل العجيب، الذى وقف فى الشهرين الأخيرين يبرز دور قاتل الثوار فى موقعة الجمل ومخفى الأدلة ومهرب أموال النظام البائد، والكتاب به المئات من الشواهد فى مدح مبارك واسرته، التى تدل أنه يمشى على مبدأ: (من يتزوج السلطة أقول له يا عمى). يعلن بكرى شهادته عن مبارك فى تقديمه للكتاب قائلاً: "واشهد هنا أن عهد الرئيس محمد حسنى مبارك فتح النوافذ أمام الجميع، وحطم القيود التى فرضت على الصحف والأقلام، وجعلنا نفكر بصوت عال دون خوف أو رهبة. ولأن الرئيس يؤمن بحرية الصحافة إيماناً حقيقياً ، لذا فهو ينحاز دوماً إلى مصلحة الصحافة والصحفيين، ويعتبر أن هذه الحرية من الثوابت التى لا يجب المساس بها". ويقول فى موضع آخر "أشعر بسعادة وأنا أرى وجه الرئيس واستمع إلى كلماته، وأقرأ تصريحاته .. صدقنى يا مبارك ، أنه رأى عام فى كل مكان وعلى كل أرض فى وطننا المصرى والعربى ...أنت يا سيدى تستنهضنا الآن تعطينا المثل والقدوة، تطلق نوبة صحيان قبل سقوط الحصن الأخير .. إننا نعرف جوهرك ، لم يكذب محمد حسنين هيكل عندما قال: إنه لا بديل لك، لم يندم أحد فينا على كلمات جميلة أسداها إليك .. فالأيام تثبت أنك ابن بار لهذا الوطن وتلك الأمة". "يا ريس أنت قدوتنا ونحن زادنا ورجالك، نلتف حولك بقلوبنا ، نهدف إلى مصلحة النظام قبل الحكومات، نعتبرك رمزاً وطنياً وضرورة موضوعية فى هذا الوقت، لذلك نلجأ إليك فأنت الحكم .."، " سيادة الرئيس .. أدرك أنك مثلنا ، أوجاعك هى أوجاعنا ، وآمالك هى آمالنا، دمك من دم الوطن، وقلبك ينبض باسمه، فهات لنا حقوقنا ." ويكتب بكرى تحت عنوان (ما بعد الاستفتاء) :"مبروك ياريس لك ولنا .. ست سنوات أخرى جديدة، نعرف أن المهمة صعبة ومثقلة ولكننا، لكننا ندرك أنك لها، وأن الفترة القادمة ستكون فترة جنى الثمار على الصعيدين الاقتصادى والسياسى ، لقد تحدثت يا ريس عن التغيير، كانت كلماتك واضحة، حملت أمانى انتظرناها طويلا ، جاءت لتحدد الإصلاح بمعناه الجذرى والشامل .. تغيير فى الأشخاص والآليات والسياسات ..صورة جديدة لمصر فى الألفية الثالثة .. انحياز واضح لمحدودى الدخل ، وتصور مستقبلى يعطى اهتماماً كبيراً لقضية العلم والتكنولوجيا". وتصل السخرية مداها، فيبرز دور مبارك الوطنى فى مواجهة إسرائيل التى قال عنه زعمائها بأنه "كنز استراتيجى لإسرائيل"، فيقول بكرى:"إسرائيل تعرف مبارك جيداً، تدرك أنه ليس كغيره، لديه ثوابت لا تقبل القسمة أو التراجع ، يرفض الزعامة الزائفة، لكنه يعمل فى صمت، مدافعاً عن الوطن والأمة، يدرك رسالة مصر الزمان والمكان، لذلك يمضى فى طريق مختلف ، وسلامه ليس كسلام الآخرين ، أنه سلام الحق والعدل والحرية وعودة الأرض..." وبينما كان الناس تترقب نتيجة انتخابات الرئاسة يوم الأحد الماضى ، يتصل مصطفى بكرى بقناة الحياة ويعلن النتيجة بفوز الفريق شفيق قبيل إعلان اللجنة ، وأن قوات الحرس الجمهورى والشرطة العسكرية تتحرك صوب منزله، وبعدها بدقائق فضح الله مكره وتدليسه على الناس، وكانت محطة أخيره لتاريخه الذى زيف فيه الوعى عبر امتلاكه الأبواق، وعبر تأجير المرجفين له للحديث بالنيابة عنهم ..ونصيحتى لولاة الأمور الجدد بأن يعملوا منهج "الجرح والتعديل" فى اختيار الرجال، والبعد عن الكذابين والمدلسين والمأجورين، لأن البلاد عن لا ترضى عن المخلصين بديلاً .