فقد الجميع الثقة في مؤسسة القمة العربية.. ومعهم حق.. ماذا فعلت القمم للدول العربية؟ لا شيء.. تحت مظلتها وقعت الأحداث ولم يكن لها أي تأثير يذكر علي وقف الكوارث التي حلت بالمنطقة، وفي فلسطين لم تستطع إعادة الأرض لأصحابها بل علي العكس مضت إسرائيل في قضم المزيد منها لم تستطع وقف الاستيطان ولا تهويد القدس ولا وقف بناء الجدار ولا رفع الحصار، ولا إقامة الدولة الفلسطينية. العراق تم احتلاله ولم تستطع فعل شيء كل ما قالته إنها تدعم وحدة الأرض والشعب ولكنها لم تستطع وقف الابادة والتدمير الذي تقوم به أمريكا ومن والاها تحت شعار نشر الديمقراطية.. في السودان لم تملك فعل شيء ولم ترد الهجمة الشرسة التي تحاول النيل منه بذريعة دارفور ومشكلة الجنوب.. في لبنان وسوريا لم تستطع وقف التحرش بالدولتين ومحاولة الاطاحة بالنظامين التي تخطط لها أمريكا ضمن مشروعها الذي يستهدف المنطقة وهو غير خافٍ علي أحد. قمة الفراغ لهذا كله فقد الجميع الثقة في القمة التي فشلت قبل ذلك في حل أزمة ليبيا في لوكيربي ووجدنا كيف أن منظمة الوحدة الافريقية شرعت في اتخاذ مواقف حاسمة عندما أعلنت خرق الحظر المفروض علي ليبيا في قمة "واجادوجو" في التسعينيات وهو ما لم تجرؤ القمة العربية علي فعله لأنها تخشي من الشيطان الأمريكي ولهذا كفر العقيد القذافي بالعرب والعروبة وأعلن انتماءه إلي الاتحاد الافريقي!! القمة تعقد للحفاظ علي البروتوكولات المظهرية - والمسائل الفرعية والمجاملات إنها قمة الفراغ العربي ولهذا لم تكن قراراتها علي مستوي التحديات التي تواجه المنطقة.. ولهذا تعامل المجتمع الدولي مع العالم العربي وكأنه أمة من النعاج تمارس عليها الضغوط ويجب أن تخضع وتذعن للمطالب.. أمة بلا هوية ولا ثقل وبالتالي ليس من حقها أن تحل وتحسم قضاياها بعد أن بات مصيرها رهنا بأمريكا العظمي. تقرير تقصي الحقائق غداة اختتام القمة العربية بالجزائر في الثالث والعشرين من مارس صدر تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الأممالمتحدة في أعقاب اغتيال الحريري. التقرير حمل مسئولية ما حدث لتقصير الأجهزة الأمنية اللبنانية والمخابرات العسكرية السورية واتهم سوريا بأنها كانت وراء اشاعة التوتر السياسي قبل اغتيال الحريري وطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية لتحديد الجناة. التقرير افتقر إلي الموضوعية والدقة وانحاز إلي الخط الذي تبنته أمريكا والمعارضة اللبنانية والذي كان يرسخ منذ البداية لفكرة التدخل الخارجي في لبنان. لقد غاب عن واضعي التقرير أنه لا يمكن التعامل معه كتقرير قانوني أو قضائي كما أنه يفتقر للمصداقية حيث إنه لم يستند في دعواه علي أية أدلة لقد غاب عن واضعي التقرير المذكور أن الذي تسبب في اشاعة التوتر وموضع اسفيناً بين المعارضة "والموالاة" وأذكي الخلاف بينهما هو قرار 1559 الذي تقدمت بمشروعه كل من أمريكا وفرنسا فهو الذي ساعد علي اشعال فتيل الأزمة بين ساسة لبنان وايجاد التجاذب السياسي بين الشرائح. مشروع قرار جديد توازي مع الحديث عن وجوب انسحاب سوريا من لبنان ونزع سلاح حزب الله وجوب التدخل الخارجي في القضية اللبنانية وهو أمر عبر عنه وليد جنبلاط عندما طالب منذ البداية بفرض الوصاية علي لبنان أو ما أسماه بالانتداب الدولي!! وجاء تقرير تقصي الحقائق ليطالب بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في واقعة اغتيال الحريري وهو ما قبلت به السلطة اللبنانية الآن رغم أن ذلك يعكس نبرة التشكيك في نزاهة جهاز القضاء اللبناني ويتفق مع طموحات أمريكا في الهيمنة علي الوضع في لبنان ولكن ماذا تفعل؟ مكره أخاك لا بطل! ولا شك أن التطورات الحالية في أعقاب صدور تقرير بعثة تقصي الحقائق تصب ايجابا في صالح المعارضة اللبنانية لا سيما وأن ما طالبت به من ضرورة إجراء تحقيق دولي في واقعة الاغتيال بات أقرب ما يكون إلي أن يتحقق. لبنان إلي أين؟ إن ما يحدث اليوم يعني أن مصير لبنان بات رهنا بما تخططه أمريكا وإسرائيل للمنطقة أما الأممالمتحدة فهي الأداة التي تستخدمها أمريكا اليوم لاستصدار ما شاءت من قرارات تخدم أهدافها في فرض الهيمنة وهو ما حذر منه وزير الدفاع اللبناني في الحكومة المستقيلة مؤخرا، مؤكدا رفض بلاده لهذه الهيمنة.. الغريب أن القرار 1559 الذي خلق موجة الانقسام في لبنان وزرع الخلافات وأجج الصراعات بين المعارضة والموالاة لم يجرؤ أحد في العالم العربي علي معارضته أو انتقاده حتي عندما عقدت قمة الجزائر الأخيرة لم يجرؤ.. التنديد به إلا العقيد القذافي الذي هاجمه وتساءل قائلا: لماذا القرارات الدولية التي تصدر ضد إسرائيل لا تنفذ؟ ولماذا كانت القرارات ضد العرب الزامية وتستند إلي الفصل السابع؟ ولا مجيب.. وعليه يظل قرار 1559 الذي صدر في 3 سبتمبر من العام الماضي سيفا مصلتاً علي رقبة سوريا ويتعين تنفيذه فورا أما قرارات مجلس الأمن ضد إسرائيل فلن تنفذ حتي لو مر عليها عشرات السنين!! الفترة القادمة ستكون مشحونة بالأحداث وما يظهر علي السطح الآن ينبئ بأن أمريكا قد شرعت في تنفيذ الحلقة الثانية من مخططها في المنطقة بعد العراق والذي تستهدف فيه هذه المرة سوريا ولبنان في صفقة واحدة.