كان المؤتمر السنوي لجماعة الادارة العليا هو أول التجمعات الاقتصادية البارزة التي عقدت عقب الاعلان عن الافكار والبرامج الاصلاحية التي بدأت بالتعريفة الجمركية الجديدة ثم تلتها المشروعات الاصلاحية في الضرائب والبنوك والاستثمار وكان طبيعيا ان ينشغل المؤتمر الاقدم من نوعه علي الاطلاق بهذه الافكار الاصلاحية لاسيما وان المؤتمر الذي اعد له من عدة شهور كان قد اختار الاصلاح الشامل موضوعا وشعارا للتجمع السنوي للجماعة الذي أنهي أعماله منذ أيام قليلة بالاسكندرية. وهكذا تلاقت ارادة التخطيط للمؤتمر مع التطورات الاصلاحية الجارية لتصنع معتركا ثقافيا وفكريا خصبا تناول بالبحث مجمل القضايا المطروحة علي الساحة من منظور اصلاحي مستقل لان المشاركين هم نخبة من الاقتصاديين والخبراء في الادارة الذين انخرطوا في العمل الحكومي والاهلي لسنوات طويلة وبطبيعة الامور كان هناك قدر من الاختلاف والاتفاق مع القرارات الحكومية وتوجهاتها الجديدة كما طرحت ملاحظات واسئلة كثيرة بشأن التفاصيل المتعلقة بالمناخ الاصلاحي الذي يطرحه الحزب الوطني وحكومته الجديدةالشابة. وبصفة عامة كان هناك ترحيب عام بمجمل الخطوات الاصلاحية التي سبق اعلانها غير ان البعض اشار الي ضرورة منح مزيد من الاهتمام للجوانب السياسية وصولا الي الاصلاح الشامل والا يقتصر الامر علي الاقتصاد فقط برغم اهميته. وفي المناقشات تحدث الخبراء عن ضرورة الاستقرار المنتج الذي يصنع نجاحا كالذي حققته ماليزيا بدلا من الاستقرار المكتوم الذي يفرز اوضاعا صعبة مثل تجربة اندونيسيا في عهد سوهارتو وبصورة ملحوظة تناولت الجلسات ازمة النخبة، كونها معوقا مباشرا للاصلاح واستعرض اكثر من متحدث التطورات السلبية التي طرأت علي النخبة في المجتمع الي الحد الذي دعا الدكتور زكريا جاد لان يتحدث بصراحة عن فساد النخبة واستشراء النماذج الانتهازية والباحثين عن المصالح الخاصة وهو ما أدي الي انتشار مفاهيم التزلف والنفاق والوصولية مما انعكس في النهاية علي الغياب الملحوظ لقيادات الصفين الثاني والثالث. التعليم أيضا وتكنولوجيا المعلومات حظيت باهتمام الخبراء الذين دعوا الي اجراء تغييرات جذرية في العملية التعليمية وربطها باحتياجات الانتاج الحقيقية حيث بلغ عدد الملتحقين بالصف الاول الابتدائي هذا العام 3.1 مليون تلميذ وهو رقم ضخم للغاية يتطلب اعادة النظر في مفاهيم التعليم النمطية حتي لا تزداد ازمة البطالة استفحالا واشاروا الي ان التقديرات الرسمية تقول ان الشعب المصري برغم برامج تنظيم الاسرة سوف يزداد 23 مليون نسمة بحلول عام 2020 وهي زيادة تتطلب الاعداد الاقتصادي المناسب والسريع من الآن باطلاق قوي المجتمع وتسريع معدلات النمو التي يجب ألا تقل عن 9% لاستيعاب هذه الزيادة السكانية. في هذا الاطار رأي البعض ان الحكومة تطالب القطاع الخاص بزيادة مساهماته في التنمية ولكنها لا تمنحه الادوات التي تمكنه من تفعيل هذا الدور وان كانت الاجراءات الاصلاحية الاخيرة تمثل خطوة علي الطريق الصحيح ولكنها تحتاج الي مزيد من الخطوات السريعة لتحقيق هذه الاهداف. حول ما يحدث في المنطقة والعالم دارت مناقشات كثيرة ومستفيضة بينت ان تبني المفاهيم الاصلاحية وان جاء متأخرا بعض الشيء الا انه يحمي البلاد من فرض الاصلاحات القادمة من الخارج وفقا لأولويات مختلفة واجندات ربما لا تحقق المصالح الوطنية في كثير من الأحيان. ورأي الاستراتيجيون ان العالم يمر اليوم بحالة غير مسبوقة حيث تتحكم فيه حضارة واحدة وايديولوجية واحدة ورأي واحد وقوة واحدة ترفض الحوار وهذا خطير للغاية ونتائجه وخيمة علي الجميع واسترعي انتباه البعض ان هناك ازمة عالمية تعبر عن نفسها الآن في ازدياد الفجوة بين الاغنياء والفقراء وبين الحكومات والشعوب وبين الاقوياء والضعفاء وكل هذه المظاهر تضعف قيمة الحوار وتدفع العالم نحو ازمة حقيقية. وفي انعكاسات الشأن الاقليمي علي الاحوال الداخلية نبه الخبراء الي محاولات تجري لاضعاف دور مصر الاقليمي والذي يترتب عليه ضمن ما يترتب اثار اقتصادية سلبية تعبر عن نفسها في منافسة الاقتصاد المصري في جذب الاستثمارات وتقديم الخدمات المعلوماتية والصحية والثقافية وغيرها وهو تحد كبير نملك مقومات مواجهته بما تتمتع به مصر من ثقل يستند الي قدرات اقتصادية وبشرية وتاريخية غير ان هذه القدرات تحتاج في تفعيلها الي ادارة واعية ومتطورة ولفت البعض الانتباه الي تراجع دور العمالة المصرية في الخليج كما وكيفا حيث يتم الان احلالهم بعمالة اوربية وامريكية ومن دول اسيوية وهي كلها قضايا يتعين الافصاح عنها حيث لا يمكن التعامل معها دون كشف ابعادها ودراسة حجمها وعلي الرغم من عمق المناقشات والرؤية النقدية للاحوال التي اتسمت بها جلسات المؤتمر الا انه كان يمكن تلمس درجة من التفاؤل والثقة بين الخبراء، ثقة في قدرات الشعب المصري علي تجاوز المشكلات الراهنة وثقة في اقتصاد البلاد وادئه خاصة عندما تتحدث الادارة وتنساب جرعات الاصلاح في كيانه كله.