كان هناك تحفظ شديد من جانب خبراء الاقتصاد الذين ينتمون لأحزاب المعارضة في التعليق علي أوراق "التوجه الاقتصادي" والتي ناقشها المؤتمر السنوي الثاني للحزب الوطني.. وهناك جزء آخر من هؤلاء الخبراء اعتذر لأنه لم يطلع علي الورقة أو لأنه مشغول خلال الفترة الحالية بقضايا أهم. لكن الخبراء الذين تحدثوا.. أكدوا أن الورقة لم تأت بجديد دائما وإنما بها بعض الخيال وتتضمن إجراءات طالبنا بها وكان لابد من اتخاذها منذ 20 عاما.. وطالبوا بضرورة تعميق الديمقراطية كبداية حقيقية لأي اصلاح. في البداية يؤكد إبراهيم الدسوقي أباظة رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الوفد أن أوراق التوجه الاقتصادي التي تم عرضها خلال المؤتمر الثاني السنوي للحزب الوطني لا تتخطي كونها عمليات "نقل دم" علي حد تعبيره فمازال الحزب الوطني ينهج منهج رد الفعل الذي لا يصدر من استراتيجية شاملة مرتبطة بمواقيت محددة للتنفيذ.. مشيرا إلي أنه بدون تعميق حقيقي لمفهوم الديمقراطية فلن يحدث اصلاح اقتصادي خاصة أن المناخ الشمولي الحالي لن يمكن منها. وأوضح الدسوقي أن الديمقراطية تتيح أربع آليات وبدونها لن ينجح الاصلاح وهي الشفافية وبرلمان يقوم بالمساءلة ورأي عام واع من خلال إعلام غير محتكر واحترام احكام القضاء.. متسائلا هل يمكن أن يحدث اصلاح بدون هذا المناخ أو تمهيد الطريق؟! وقال الدكتور إبراهيم أباظة إن أوراق التوجه لم تنطلق بناء علي استراتيجية انمائية شاملة ولكنها تتخذ إجراءات "نقل الدم" لا تقدم ولا تؤخر في القضاء علي أزماتنا واطلاق عجلة التنمية بدليل أن حكومة الحزب قامت مؤخرا بخفض الرسوم الجمركية علي بعض السلع دون أن نحسب الانعكاسات الاقتصادية علي القطاعات الأخري.. كما أنها اتخذت إجراء أشد خطورة وهو رفع السولار بنسبة 50% رغم أن السولار من السلع التي تستخدم في العديد من الصناعات والخدمات مما أدي إلي شيوع الغلاء في السلع والخدمات وهو ما يتنافي مع مضمون وجوهر الورقة الأولي من أوراق التوجه والتي تركز علي إجراءات مكافحة الفقر والنهوض بأوضاع محدودي الدخل. وأضاف أن اصلاح منظومة الضرائب والجمارك كان لابد من إجرائها منذ 20 عاما وقد طالبت بذلك حزب الوفد في أول مؤتمر للحزب برئاسة الرئيس مبارك عام 1982.. ثم هناك القضية الأخطر والمتعلقة بمحدودي الدخل وهي علاج البطالة والتي لن تحل سوي بالاستثمارات الجديدة والتي فشلت كل حكومات الحزب الوطني في توحيد الجهة المسئولة عن الاستثمار وجعل المستثمر يتوجه لشباك واحد ورغم القرار الأخير بتوحيد جهة التعامل مع هيئة الاستثمار.. فهي لا تملك إلا اعطاء الموافقة التي تزيلها بجملة.. "علي المستثمرين استكمال الاجراءات التالية". وكان لابد لأوراق هذا التوجه أن تراعي قضية خطيرة وهي أن الاستثمار يتحرك علي قضيبين الأول قوانين واضحة والثاني الادارة النزيهة وإجراءات واضحة. أما الدكتور إبراهيم العيسوي عضو المكتب السياسي واللجنة الاقصادية للتجمع فيري أن أوراق التوجه الاقتصادي تعني مزيداً من الاتجاه الليبرالي والسير بخطوات أسرع لتحرير الاقتصاد ودمجه في الاقتصاد العالمي وبالتالي الاسراع بعمليات الخصخصة وتخلي الدولة عن أي دور في المجال الاستثماري أو الانتاجي واعطاء دور أكبر للقطاع الخاص والاستثمار الاصيل. وأكد العيسوي أنه معترض بشدة علي التوجه الاقتصادي العام فهي سياسة فشلت والتوجه الجديد لن يؤدي إلا لمزيد من الفشل خاصة أنها جربت علي مدار 30 عاما لاجتياز التخلف ولم تنجح.. والجديد الذي يعرضه التوجه الاقتصادي الجديد هو مزيد من العمق والتوسع في التطبيق.. مشيرا إلي أن هذه السياسات لا تصلح لمصر وإنما هي السياق وراء تيار عام تتزعمه المؤسسات المالية الدولية وهيئة المعونة الأمريكية فهو دواء ثبت عدم جدواه في الظروف المصرية. وأشار إلي أن ما طرحته الورقة الأولي من مراجعة سياسات وآليات الدعم بأنه ليس كلاماً جديداً فمنذ 20 عاما هناك مناقشات علي طرح الدعم النقدي بدلا من الدعم العيني ورغم ذلك لم تأخذ بها حكومة الحزب الوطني في المراحل السابقة.. مؤكدا أنه حل غير عملي في الظروف المصرية التي فيها نسبة كبيرة من الفقر ويصعب فيها اجراء حصر حقيقي لدخول الافراد وهو ما يصعب من عملية تطبيق الدعم المادي.. كما أنه لن يضمن تحقيق الهدف من الدعم وهو الارتفاع بصحة الافراد من خلال تقديم سلع غذائية لطبقات فقيرة لا تقدر علي الشراء فمن يضمن أن تشتري هذه الفئات السلع الغذائية بهذا الدعم المادي. وأكد الدكتور إبراهيم العيسوي أن خفض أعلي سعر للضريبة من 40% إلي 20% وهو ما تضمنته الورقة الرابعة يعتبر تزيداً أكثر من اللازم.. مشيرا أنه مع التخفيض وليس التخفيض الشديد بمعني أنه كان من الافضل أن يجعل هذه النسبة 30% وهو ما يعني أن هناك خطورة علي جانب الايرادات حتي لو شجع ذلك الممولين لسداد الضريبة.