لعل ما يدور الآن علي التراب السوري هو أشبه ما يكون بحرب عالمية تتصارع فيها قوي مقابل قوي ولقد كان من الممكن للثورة السورية فيما لو أنصفت أن تحتفظ بسلميتها بحيث لا تأخذ هذا المنحني الخطير الذي شجع الغرب والدول التي تماهت معه علي الدخول علي الخط وتقديم الدعم اللوجستي والدعم بالسلاح والمال وإشعال المواقف أما ما يخشاه المرء فهو أن تنتهي تلك الحرب المستعرة بالدمار للعرب، فهم الخاسرون لاسيما العرب الموالون لأمريكا نعم سيكون العرب هم الضحية في أي حرب تستعر في سوريا والتي قد تمتد لسنوات وتحرق كل شيء. الحشد الدولي غير المسبوق ضد سوريا لم ينبع من فراغ، فأصحاب المصالح الأجنبية في سوريا يسعون لحماية مصالحهم ومن ثم اجتمعت الدول الغربية وتماهت معها دول في المنطقة تحت تصنيف واحد هدفه محاولة إيجاد نظام بديل في سوريا من شأنه أن يضمن مصالح هذه الدول ولا يتأتي هذا إلا من خلال عملية انتقالية منضبطة بحيث لا يسفر اسقاط النظام عن بروز جماعات جهادية تهدد مصالح تلك الدول وتوجد حالة من عدم الاستقرار وعليه تظل هناك صعوبة في تحديد الطرف الذي يمكن للمجتمع الدولي التعويل عليه في مرحلة ما بعد سقوط النظام أما ما يخشاه البعض فهو أن يحول ضيق الأفق وضحالة التفكير دون فهم الحقيقة لدي الكثيرين ممن انشغلوا بالدور الذي رسمته لهم أمريكا وهو الإعداد لحرب قادمة بين السنة والشيعة يكون وقودها الأمة الإسلامية ما يحدث في سوريا اليوم يعكس الشك والفوضي والموت لاسيما وقد بدأت الطائفية تطفو علي السطح، ولا غرابة فسوريا تواجه مخطط حرب تقوده أمريكا قريب الشبه بما حدث للعراق عندما اعتمدت أمريكا سياسة ترسيخ الطائفية بوصفها السبيل الأمثل لتفكيك الدولة وتفتيتها ونشر الفوضي وعدم الاستقرار وهو ما تعاني منه العراق حتي الآن ومن هنا جاء تطلع الغرب إلي أن تعجل العمليات الارهابية الجارية في سوريا اليوم علي يد المناوئين للدولة بانهيار النظام وأن تشكل نقطة تحول في مسار الصراع. للأسف أن جامعة الدول العربية لم تحاول إنقاذ سوريا منذ البداية، بل عمدت إلي تصعيد المواقف معها بدءا بتجميد عضويتها في الجامعة وانتهاء بفرض العقوبات عليها ومنح الغرب مظلة لحشد الضغوط ضدها وفرض المزيد من العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية وكان يتعين علي الجامعة لو أنصفت أن تتبني تحركا حاسما لوقف العنف منذ البداية، والعمل كوسيط بين النظام والمعارضة والتمهيد لانتقال سياسي ولكن للأسف هذا لم يحدث أما ثالثة الأثافي فلقد ظهرت في اجتماع الدوحة الأخير الذي عقد في 23 يوليو الجاري، فلقد طلب المجتمعون من الرئيس "بشار" التنحي مقابل تأمين مخرج آمن له ليعقب ذلك تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بجميع الصلاحيات، وطالبوا الأممالمتحدة بتعديل مهمة "عنان" بحيث تتركز علي تنحية الأسد والانتقال السلمي للسلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولي زمام الأمور في المرحلة الانتقالية وجاءت دعوتهم لاجتماع عاجل للجمعية العامة للأمم المتحدة لاصدار توصيات باتخاذ اجراءات من بينها اقامة مناطق آمنة في سوريا وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع النظام بالاضافة الي قيام حمدبن جاسم، نبيل العربي بزيارة إلي موسكو وبكين في محاولة لتغيير موقفهما الداعم للنظام السوري. أي أن السياسة التي تقودها الجامعة العربية هي الاستمرار في محاصرة النظام عبر التدخل الخارجي ولقد ظهر منذ البداية حرص اللجنة العربية المكلفة بعلاج الأزمة السورية علي افشال مهمة "كوفي عنان" وجاء البيان الأخير لها ليفصح عن الرغبة العارمة في تغيير طابع المهمة لتصبح تنحية الأسد وليس رأب الصدع بين الأطراف ووقف العنف واجراء حوار بين النظام والمعارضة. ما يخشاه الكثيرون ان ما يحدث في سوريا اليوم يتناقض مع المسار التاريخي وبدلا من أن يؤدي الي تصحيح المسارات باتجاه التحديث والتطوير بما يصب بالايجاب في صالح المجتمع فإن التوقعات تنحو صوب النقيض أي أن الأحداث ستقود الي تدمير سوريا والقضاء علي قدرات الانسان فيها لاسيما ان اللجام في أيدي الخارج ومن ثم ظهر الصراع الدولي مستغلا للإنسان السوري، وبدلا من أن تطرح المعارضة برامج سياسية وأمنية واجتماعية واعلامية طرحت معدات للقتال ومطالبة الغرب بالتدخل العسكري أو وضع سوريا تحت الفصل السابع وبمعني آخر لم تطرح المعارضة حلولا لاخراج سوريا من المأزق الحالي وتحقيق الاصلاحات المطلوبة وكم كان مستهجنا أن تعمد المعارضة الي الاستقواء بالخارج وتطالب دولا غربية بالتدخل العسكري في سوريا وغاب عنها ان هذا الطرح ينم عن انعدام رؤية ويمثل خيانة وطنية وقومية ودينية.