تعددت المؤتمرات والنتيجة واحدة، وآخرها كان مؤتمر جنيف لمجموعة العمل الدولية الذي عقد السبت الماضي حيث لم يتم التوصل إلي حل توافقي حول السبيل للخروج من الاستعصاء الراهن في الساحة السورية لاسيما وقد نظر إلي هذا المؤتمر كفرصة أخيرة لإيجاد مخرج سلمي للأزمة بعد انهيار مبادرة "عنان" وتجميد أعمال فريق المراقبين. النص الذي قدمه "عنان" في جنيف يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية لها كل الصلاحيات التنفيذية ومهمتها صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات.. بيد أن أمريكا التي تقود مؤامرة اغتيال سوريا أصرت علي تنحي الرئيس "بشار" وكان لابد لروسيا أن تعارضها من منطلق أنه لا يمكن فرض حل من الخارج علي سوريا لأن مصير رئيس سوريا يحدده السوريون وليس الخارج.. ولقد أوضح "عنان" السبب الرئيسي في عدم التوصل إلي حل حتي الآن عندما قال عشية انعقاد مؤتمر جنيف "إنه آن الأوان لمن يمارس تأثيراً علي الأطراف ولمن يتحمل المسئولية حيال السلام والأمن الدوليين التصرف بإيجابية من أجل السلام".. وهو الأمر الذي أسقطته الدول التي تعالج الملف من حساباتها.. وفي مقدمة هذه الدول تركيا التي شرعت في التعامل مع سوريا كعدو يجب استئصاله. صعَّدت تركيا المواقف مع سوريا خاصة في أعقاب إسقاط الأخيرة طائرة عسكرية تركية اخترقت المجال الجوي السوري في 22 من الشهر الماضي، فلقد سارع أردوغان وعقد اجتماع أزمة مُوحيا بذلك أن الأمر خطير للغاية وأعقب ذلك بدعوة الناتو لاجتماع طارئ تم في 26 يونية الماضي، ثم تم حشد تركيا لقواتها علي الحدود مع سوريا.. وما كان يحق لتركيا خلط الأوراق والادعاء بالباطل علي سوريا ووضعها في دائرة الاتهام، فالعكس هو الصحيح، فتركيا هي التي خرقت كل المواثيق ونسفت جسور الجوار عندما تمادت في دعم المعارضة السورية وزودتها بالعتاد العسكري المتطور والمال.. علاوة علي تحويل أراضيها إلي ممر للمقاتلين والهدف إسقاط النظام في دمشق. لقد شاركت تركيا في المؤامرة الدنيئة التي قادها الغرب ضد سوريا من أجل تدمير الدولة والقضاء عليها.. وزادت نبرة العداء عندما اخترقت الطائرة العسكرية التركية المجال الجوي السوري وتم إسقاطها، يومها تحدث أردوغان بمنطق مغلوط عندما برر اختراق الطائرة التركية للأجواء السورية وأطلق عليه اختراقا محدودا في حين وصف إسقاط سوريا للطائرة بأنه هجوم جائر وغير شرعي وعديم الضمير.. رغم أن ما فعلته سوريا هو مشروع وأكدت بواسطته للجميع أن النظام مازال متماسكا ومستعدا للتصدي لأية مؤامرة خارجية تستهدف الإطاحة به.. وهكذا ظهرت تركيا كرأس حربة في أي تدخل عسكري يتم التخطيط له لإسقاط النظام، وتورطت في مؤامرة خبيثة ضد سوريا شرعت في تنفيذها علي مدي أكثر من عام عندما التحقت بالغرب وأطراف عربية أخري في تبني مؤامرة لإسقاط الدولة.. لهذا سارعت بعض صحف المعارضة التركية إلي تحميل أردوغان مسئولية التصعيد الحادث في توتر العلاقات بسبب موقفه الآثم في دعم ما يسمي بالثورة السورية. لا شك أن حكومة أردوغان تلعب بالنار ويشاركها في ذلك أطراف عربية وأجنبية متورطة في مستنقع الحرب القذرة التي تشنها الجماعات الإرهابية المسلحة ضد الدولة السورية.. تركيا عبثت بالحدود ولم تراع دولة الجوار، عبثت بالمبادئ عندما دعمت الإرهابيين بالمال والسلاح وجعلت أراضيها مقرا للاجتماعات التحريضية ضد الشرعية السورية.. قادت حربا مُعْلنة من الخارج ضد سوريا بدعم من السعودية وقطر .. نفذت الدول الثلاث أجندة خارجية وراهنت علي الوقت لتغيير الواقع الداخلي في سوريا عبر التخريب وتدمير البنية التحتية.. وهنا لابد من التنويه بثبات روسيا علي موقفها الداعم للشرعية السورية ومقاومتها لكل الضغوط والمغريات الاقتصادية العديدة التي عرضتها عليها أمريكا ودول الخليج الغنية لكي تحرفها عن موقفها. ولكن ما مصلحة السعودية وقطر في أن ينضويا مع تركيا في محور هو أشبه ما يكون بمحور الشر والذي تبني خطة ممنهجة لاستئصال دولة عربية عبر حملة ظالمة لإسقاطها تماماً كما حدث من قبل مع العراق وليبيا؟ هل ماتت الضمائر؟ كيف يمكن لدول عربية وإسلامية أن تشارك بالتمويل والسلاح في حرب ضروس يقتل فيها الأطفال والنساء والشيوخ وتهدم خلالها أركان الدولة؟ ألا تخشي هذه الدول من أن تدور الدائرة عليها ويطالها عقاب الله جل شأنه؟ المخطط غربي في الأساس ينفذه بكل حرفية المحور الثلاثي المذكور الذي يعمل جاهداً علي إنهاك النظام السوري واستنزافه وتقويض قواعد قوته العسكرية والأمنية من خلال دعم عسكري ومالي غير مسبوق لفئات المعارضة علي أمل أن يفضي هذا إلي إنهاء الأزمة عسكريا. للأسف أجج "أردوغان" الوضع في سوريا.. لعب علي الوتر الطائفي.. أثار الفتنة والأحقاد، قاد حربا استخباراتية والدليل العمليات النوعية التي تقوم بها هذه العصابات المسلحة التي يدعمها في الداخل السوري.. ولقد كان غريباً أن يعتلي هذا الدور الرخيص والذي بدا معه وكأنه يقاتل نيابة عن الكيان الصهيوني والغرب الأمريكي سعياً لإنهاك الجيش النظامي السوري وتمزيق سوريا.. ولربما كان دافع أردوغان من وراء انخراطه في هذه المؤامرة وهذه الحملة الشرسة تنفيذ وعد الغرب له بأنه فيما إذا تمكن من إزاحة النظام في سوريا فسوف يكافأ بإلحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي وهو ما يتوق إلي تحقيقه وينشده.