في الوقت الذي يسعي فيه عنان لعقد اجتماع لمجموعة اتصال جديدة يحاول تشكيلها حول سوريا في 30 من يونيو الجاري بجنيف، وتسعي فيه فرنسا لاستضافة مؤتمر أصدقاء سوريا في السادس من يوليو القادم يبدو المشهد السوري عصيا علي الحل ويحار المرء فيما يجري حاليا علي المسرح السوري حيث تتواصل أعمال القتل والخطف وهو ما حدا ب"هيرفي لادسوس" مسئول دائرة عمليات حفظ السلام في الأممالمتحدة إلي أن يصف الوضع الحالي بأنه حرب أهلية وهي فتوي رفضتها الحكومة السورية وأكدت أن ما يجري هي حرب ضد مجموعات مسلحة اختارت الإرهاب طريقا للوصول إلي أهدافها وأن من واجب السلطات التصدي لها وبسط سلطة الدولة علي كامل أراضيها. كل المؤشرات الآن تؤكد فشل مبادرة كوفي عنان التي تدعو إلي وقف فوري لإطلاق النار والانخراط في حوار بين النظام والمعارضة بهدف التوصل إلي حل سلمي للأزمة أما ما ساعد علي إفشالها فهو المعسكر الأمريكي الذي تنضوي تحت لوائه دول من أوروبا الغربية وتركيا وللأسف دول عربية كالسعودية وقطر، فلقد سعي المعسكر المذكور نحو تدويل القضية بهدف إسقاط سوريا كدولة وليس كنظام فقط وجاءت التغطية الإعلامية المنحازة لتزيد الوضع سوءا كان مؤسفا أن تعمد السعودية وقطر إلي تسخين الوضع وتأجيجه في الداخل من خلال مد المعارضة بالسلاح والمال وهو ما أكدته صحيفة "الاندبندنت" البريطانية في الثالث عشر من الشهر الحالي من خلال تقرير مطول أشار إلي قيام الدولتين بإرسال شحنات أسلحة ثقيلة للجيش السوري الحر تتضمن صواريخ مضادة للدروع وقاذفات صاروخية ومدافع رشاشة وذخائر عبر الأراضي والمنافذ الحدودية التركية وعلي ظهر شاحنات عسكرية رسمية وبتنسيق مع حكومة أردوغان. كان المأمول أن تسعي الدولتان قطر والسعودية إلي تشجيع الحوار والرهان علي التهدئة بين المعارضة والنظام من أجل الخروج من الاستعصاء بيد أنهما لم يفعلا ذلك وامتشقا سيناريو دعم المعارضة بالسلاح مما زاد الساحة اشتعالا.. ولا أدري ما مصلحة الدولتين في إيصال الأمور في الداخل السوري إلي نقطة الانفجار؟! كان المأمول أن تسعي الجامعة العربية إلي الدخول علي الخط والعمل من خلال معادلة التهدئة لإصلاح الجسور بين الحكومة والمعارضة ولكنها عمدت إلي النقيض عندما راحت تؤجج المواقف وتتبني قرارات عدائية ضد دولة عربية شقيقة بدأتها بتجميد عضويتها في الجامعة وتبعت ذلك بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مع شحذ المجتمع الدولي وتعبئته ضد سوريا في مسعي لإسقاط الدولة وبذا أضاعت فرصة عقد حوار بين الدولة والمعارضة وهو الحوار الذي كان يمكن أن يغير الوضع ويأخذ بيد الطرفين إلي بر الأمان بل إنها وبدعم من السعودية وقطر كانت تضغط باتجاه تدويل الأزمة إلي حد قد يصل إلي تدخل عسكري مباشر علي غرار النموذج الذي حدث في ليبيا. المشهد الحالي يشي بأن الحوار بين المعارضة والنظام الآن قد تجاوزته الأحداث ولم يعد ممكنا، وبالتالي فإن الحوار الذي يمكن أن يكون مثمرا اليوم هو الحوار بين القوي العظمي والإقليمية المتورطة في ازدياد حدة الأزمة أي بين أمريكا التي تتزعم تكتل أصدقاء سوريا وبين الاتحاد الروسي الداعم الرئيسي للنظام السوري. ويستدعي هذا وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" الذي بات صاحب الكلمة الأقوي في الملف السوري والذي وقف حتي الآ سدا منيعا أمام الضغوط الغربية لجر روسيا إلي المعسكر المناهض للنظام السوري ودفعها نحو إسقاطه.. ولهذا سارع بنفي ما ادعته أمريكا وفرنسا مؤخرا من مشاركة روسيا في أية محادثات مع الغرب حول سوريا ما بعد "بشار" مؤكدا أن هذا يتناقض كلية مع الموقف المبدئي لروسيا. مازالت أمريكا والغرب يمارسون ضغطا مكثفا علي روسيا من أجل التخلي عن دعم النظام في سوريا وهو ما فشلوا فيه حتي الآن. وفي المقابل مازالت روسيا تلعب دورا محوريا سعيا لخروج سوريا من دائرة الاستعصاء عبر حل سلمي. ومن ثم فهي تعكف حاليا علي التحضير لمؤتمر دولي سبق وأن دعت إليه علي أمل الخروج بخريطة طريق للأزمة السورية من خلال تطوير بنود خطة "عنان" بشكل كلي للحيلولة دون فشلها خاصة وهناك شعور متنام لدي الكثيرين بأن مهمة المراقبين الدولية باتت من الناحية العملية جزءا من الماضي وأن فترة صلاحيتها السياسية لم تعد مناسبة في هذا التوقيت وأن فكرة تطوير المهمة لترتقي إلي مستوي قوات حفظ السلام في سوريا قد طويت في مهدها. ورغم ذلك فإن روسيا لم تفقد الأمل بعد ومازالت تعد العدة لعقد المؤتمر الدولي المذكور لبحث الوضع في سوريا وتتمسك بأن تكون إيران ممثلة فيه جنباً إلي جنب مع تركيا وتراهن علي حل المعضلة السورية سلميا لايمانها بأن من يراهن علي الحل العسكري يعرض مستقبل سوريا للانهيار.