نفضت البنوك عن نفسها عباءة ثقيلة من المخاوف التي سرت داخل ردهات الأوساط المصرفية حول احتمالات تحقيقها خسائر في الربع الرابع، حيث جاءت نتائجها المالية مخالفة للتكهنات، ولتؤكد انتهاء تأثرها بالأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصادات العالمية، ففي الوقت الذي شهدت الأرباح تراجعا خلال التسعة أشهر الأولي من عام ،2009 جاءت نتائج أعمال الربع الرابع مرتفعة مقارنة بنفس الفترة من عام 2008 وذلك في اشارة إلي بداية التعافي للاقتصاد المصري ككل علي اعتبار أن قطاع البنوك يمثل بارومتر الاقتصاد القومي. وقد تباينت تحليلات الخبراء لنتائج أعمال البنوك فبينما أكد البعض أن عجز الموازنة واستمرار البنوك في الاستثمار في أذون الخزانة والسندات أسهم في مضاعفة الأرباح أكد البعض أن إحياء القروض المشتركة ودخول بنوك كبيرة إلي مجال التجزئة المصرفية خلال عام 2009 أسهم في زيادة الأرباح بينما رأي فريق ثالث أن الأرباح تعود في مجملها إلي أرباح استثمارية، وليست تشغيلية، وقال فريق آخر إن التحسن ليس دليلا علي نجاة القطاع من الأزمة، وأن الوقت المناسب للحكم علي صمود القطاع سيكون خلال إعلان نتائج أعمال النصف الأول من العام الجاري. من جانبه يؤكد عيسي فتحي العضو المنتدب لشركة الحرية لتداول الأوراق المالية أن نتائج أعمال البوك تدل علي بوادر شفاء سريع لقطاع الخدمات المالية بسبب آثار الأزمة المالية العالمية، إلا أنه وعلي الرغم من ذلك فإن عجز الموازنة كان الحاصد الأكبر لهذه الأرباح حيث إن نتائج أعمال البنوك تثبت استثمار القطاع المصرفي جزءا كبيرا من الأموال في أذون وسندات الخزانة لتمويل عجز الموازنة في الدولة حيث إن نسبة الاقراض إلي الودائع مازالت منخفضة فمعظم استثمارات البنوك لا تصب في مصلحة الاستثمار المباشر. ودعا عيسي البنوك إلي ضرورة معالجة الانكماش الائتماني الذي أصاب البنوك علي مدار عام 2009 بسبب دتاعيات الأزمة المالية العالمية والاعتماد في تحقيق الأرباح علي الاستثمار الحقيقي من خلال تمويل المشروعات العملاقة والتخلي عن التشنج الائتماني. وفي ذات السياق يؤكد أحمد شلبي مسئول الاستثمار في شركة كايرو كابيتال أن تحقيق هذه النتائج يدل علي تعافي الاقتصاد المصري لأن كل المخاوف منذ البداية كانت متعلقة بالقطاع المصرفي الذي أثبت صموده أمام الأزمة، فيكفي أن أرباح البنك الأهلي سوسيتيه جنرال الأم تمثل مساهمة البنك محليا فيها نسبة 25% وهو بنك مترامي الأطراف في عدد من الدول. وتوقع شلبي أن يشهد قطاع البنوك في البورصة مزيدا من الاستقرار خلال الفترة المقبلة ومزيدا من الطفرات السعرية. التجزئة المصرفية أما الدكتور عصام خليفة العضو المنتدب لشركة الأهلي لإدارة صناديق الاستثمار فقد أشار إلي أن قطاع البنوك يعتبر من أفضل القطاعات في نتائج الأعمال خلال العام المنصرم 2009 معتبرا أن نتائج الأعمال الجيدة التي حققتها البنوك الكبيرة مثل البنك التجاري الدولي والبنك الأهلي سوسيتيه جنرال جاءت نتيجة الاهتمام بمجال التجزئة المصرفية بصورة كبيرة خلال العام الماضي مقارنة بالأعوام السابقة حيث كانت تركز علي تمويل الشركات فقط بالإضافة إلي ترتيب عدد من القروض المشتركة الكبري. وأضاف خليفة أن القطاع المصرفي تماثل سريعا للشفاء مقارنة بقطاعات أخري بسبب صلابة قواعده التي أرستها خطة الإصلاح المصرفي في عام 2005 فهو بعيد عن الأزمة وعن الاستثمار في مجالات عالية المخاطر. ورأي وحيد جبر المحلل المالي أنه بالرغم من التحسن النسبي الذي طرأ علي نتائج أعمال الربع الرابع من عام ،2009 إلا أن هذا التحسن قد لا يشير إلي أن قطاع البنوك نجا من الأزمة حيث يجب أن يستمر حتي منتصف العام 2010 أي نتائج أعمال الربع الأول والثاني من عام ،2010 مشيرا إلي أنه يجب دراسة منابع التحسن في نتائج أعمال البنوك من خلال التغلغل في أعماق الميزانيات وقراءة مصادر التحسن ولكن وعلي الرغم من كل ذلك فإن قطاع البنوك يعتبر الأفضل مقارنة بقطاع الاتصالات الذي تأثر بالأزمة بصورة أكبر. أرباح استثمارية من جانبه يؤكد محمود المصري المحلل المالي أن نتائج أعمال البنوك جاءت جيدة مقارنة بالقطاعات الأخري في الاقتصاد المصري معتبرا أن جزءا كبيرا من أرباح البنوك خلال العام الماضي تحققت بالفعل من الأرباح الاستثمارية وليست الشتغيلية إلا أن هذه الأرباح تختلف من بنك إلي آخر. وقد تراوحت بين 15% و70% مما يعني أن جميع البنوك حققت أرباحا استثمارية بصورة متفاوتة. ويضيف المصري أن البنوك يجب أن تعتمد علي ايرادات عمليات التشغيل وليس الاستثمار الذي يخضع لعوامل السوق.. ويتوقع أن ترتفع أرباح التشغيل خلال العام الحالي بعد أن أظهرت النتائج ربع السنوية هذا الارتفاع بالفعل وبالتالي استمراره بقية العام، فهناك نمو كبير في الطلب علي الخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك المحلية خاصة الاقراض والودائع وهي الخدمات الاساسية لأي بنك التي يعتمد عليها بجانب عدد من الخدمات الأخري مثل بطاقات الائتمان وغيرها التي تحقق عائدا جيدا في ظل الطلب المتنامي علي الخدمات المصرفية وأهمها القروض سواء لرجال الأعمال لتمويل المشروعات التي ينفذها القطاع الخاص أو القروض التي يحصل عليها الافراد لتمويل احتياجاتهم المختلفة من شراء العقارات أو السيارات أو السفر للخارج. انخفاض البورصة ومن جانبه يؤكد محمد سلامة المحلل المالي أن البنوك ستستمر في النمو النسبي خلال العام الحالي وسيتضح ذلك بصورة كبيرة مع الاعلان عن النتائج المالية للربع الأول والثاني من العام ويوضح سلامة أن البنوك تفاوتت في أرباحها بين التشغيلية والاستثمارية وإن كان هناك بعض البنوك قد حققت أرباحا استثمارية كبيرة إلا أن الوضع يختلف في العام الحالي بسبب انخفاض البورصة. لذلك فإن التوقعات تشير إلي ارتفاع الأرباح التشغيلية علي حساب الأرباح الاستثمارية.. فهناك توسع كبير في المشاريع المرتبطة بالبنية التحتية والقروض المشتركة والمشروعات الكبري ويضيف سلامة أنه في الوقت ذاته فإن الأرباح الاستثمارية ستتراجع خاصة المتعلقة بالبورصة نتيجة للتراجع الواضح في الأسهم سواء في مصر أو بقية الدول.. ويؤكد أن ارتفاع الأرباح الاستثمارية مرهون بتكوين محافظ استثمارية جيدة تكون في استطاعتها التغلب علي انخفاض الأسعار وتكوين أرباح جيدة ومناسبة خاصة إذا أحسنت عملية دخول السوق في الوقت المناسب ويطالب سلامة البنوك العاملة في مصر بالتركيز علي الايرادات الناتجة من النشاط الاساسي للبنك وهو الخدمات المصرفية من خلال تطوير هذه الخدمات والمنتجات التي تقدمها للعملاء مع الاهتمام بشكل كبير بالخدمات في السوق المحلية وليس بالخارجية.