تحقيق - محمود مقلد وهبة درويش: رحب الخبراء والمستثمرون بتصريحات الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية التي اعلن خلالها عن خطة الدولة الرامية لاستغلال الأراضي لها عن طريق طرحها للبيع او التأجير للمستثمرين وشركات القطاع الخاص. وأكد الخبراء ان هذا الاتجاه معمول به في العديد من الدول شريطة ان يتم استخدام افضل الطرق لطرح تلك الأراضي بشفافية تامة والعمل علي تقييمها بشكل دقيق يتناسب مع قيمتها السوقية الحالية مطالبين بإنشاء لجان متخصصة تكون مهمتها مراقبة عملية الطرح والتقييم بشفافية وحياد تام حتي يمكن تحقيق الاستفادة القصوي للخزانة العامة والوزارات التي تملك تلك الأراضي ولاتستغلها حاليا. تري ليلي عز العرب - العضو المنتدب للشركة الاستثمارية للسكك الحديدية - ان الحكومة حتي الان لا تمتلك تصورا دقيقا عن حجم الاصول غير المستغلة لديها والتابعة لكل وزارة الا ان ثمة جهوداً جادة تبذلها كل وزارة حاليا لحصص الاراضي التابعة لها، مع الوضع في الاعتبار ان وزارة الاوقاف هي الوزارة الوحيدة التي لديها تصور كامل يصل إلي 90% من جملة املاكها. مشيرة إلي المعوق الحقيقي الذي يحول دون الاسراع في عملية حصر الأراضي والعقارات غير المستغلة بالدولة هو ان دفاتر هيئة المساحة غير محدثة، وهو ما تحاول الهيئة التغلب عليه من خلال تأسيس شركة التعمير لتكون وظيفتها الرئيسية حصر الأراضي وتوفير خرائط مساحية ورقمية حديثة وعمل خرائط مصلحية لإثبات سند الملكية وهو الاجراء الذي سيقضي بدوره علي ظاهرة التعديات علي الأراضي المملوكة للدولة. موضحة ان بدء الحكومة في استغلال أراضي الدولة وحصر تلك الأراضي يتطلب التنسيق بين الوزارات والمحليات لتحديد الملكية قبل اجراء عملية البيع. وعن رأيها في افضل عملية للطرح قالت ليلي عز العرب ان سياسة التأجير افضل بكثير من عملية البيع لانها توفر عائدا دائما للدولة كما انها تحفظ حقوق الاجيال القادمة وتعطي للدولة فرصا لزيادة الحصيلة من تلك الاصول. من جانبه يري د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي ان اعلان الدولة عن استغلال تلك الاصول امر جيد وسيضيف الكثير خاصة ان قيمة الاراضي غير المستغلة للوزارات داخل مصر طبقا للدراسات والمؤشرات الحديثة، تقدر بحوالي تريليون ونصف التريليون دولار. مؤكدا ان من اهم الوزارات التي تمتلك اصولاً غير مستغلة وزارة النقل حيث تم تأسيس شركة خاصة منذ عامين مهمتها الأولي استغلال اصول السكك الحديدية والأراضي التابعة لها والمتواجدة علي جانبي السكك الحديد والتي تقدر بحوالي 17 مليون متر مربع، كما يدخل في صميم عمل تلك الشركة المساهمة والتي يرأسها المهندس إسماعيل عثمان ايجاد حلول وبدائل عادلة لتحقيق الاستغلال الامثل لهذه الاراضي وضم جميع المحطات الموجودة والعمل علي طرحها أمام القطاع الخاص لاستغلالها في عمل مشاريع استثمارية او اعلانات. وينوه د.صلاح جودة إلي ان المشروع الذي تبنته هذه الشركة لا يزال يمضي بخطوات بطيئة لان الشركة لم تتخلص بعد من الروتين الحكومي. ويضيف د. صلاح جودة ان وزارة الاستثمار تتبعها مباني البنوك وشركات التأمين والشركات القابضة وشركات قطاع الاعمال ومحموعة من العقارات بوسط القاهرة، وقد قامت الوزارة بالفعل مؤخرا بتأسيس شركة عقارية "شركة مصر للعقارات" وضمت إليها جميع العقارات المملوكة لشركات التأمين وقد نجحت هذه الشركة بالفعل في اداء مهمتها بشكل جيد وتحقيق ايرادات جيدة من عمليات البيع والتأجير اما وزارة الري فتمتلك جميع الأراضي الواقعة علي ضفاف نهر النيل وكلها اراض تتميز بارتفاع سعرها، هذا بخلاف امتلاكها للمراس والمراكب التي تشق طريقها يوميا في النيل، الا ان ظاهرة اعتداء الجمهور والنقابات علي هذه المراكب والأراضي واخذها بوضع اليد، جعلت الوزارة لا تستفيد من العوائد المتوقعة في حالة البيع او التأجير. وزارة الثقافة تمتلك ايضا جميع الاراضي التي تتواجد بها الآثار، ومن ثم لايمكن التفكير في بيعها او تأجيرها وانما يتبغي السعي وراء تطويرها وتجهيزها وتهيئتها كأماكن للزيارة واستغلال العائد في اضافة موارد جديدة للخزانة العامة بالدولة. كما تمتلك وزارة الاوقاف جميع الاوقاف الخاصة بالمسلمين والاقباط واليهود، هذا بخلاف العديد من الأراضي والعقارات والشركات والأسهم والسندات و والودائع التي اوقفها اصحابها للاعمال الخيرية.اما وزارة الزراعة من أغني الوزارات لامتلاكها مساحات شاسعة من الاراضي القابلة للاستصلاح الزراعي لكن بعضها ضاع بسبب وضع يد "العرب" عليها ولذلك ينبغي تأسيس شركة مساهمة تسعي لحصر الأراضي التابعة للوزارة والأراضي القابلة للاستصلاح تمهيدا للاستفاده منها. وتقول د. ضحي عبد الحميد - الممثل المقيم للمؤسسة الدولية لتقييم الاداء التنموي واستاذ تقييم السياسات العامة بجامعة كارلتون بكندا - ان اعلان وزير المالية مؤخرا ان الدولة سوف تستغل أراضيها المملوكة للوزارات وتطرحها البيع او التأجير حتي يتم الاستفادة منها، يأتي في اطار حرص وزارة المالية علي تطبيق موازنات البرامج والاداء التابعة للاصلاح المالي مضيفة ان هذا البرنامج يشمل حصر الاصول المملوكة لكل الجهات الحكومية مع الوضع في الاعتبار التعامل مع كل وحدة تم حصرها باعتبارها وحدة حكومية مستقلة لها تكلفة وعائد خاص بها، وبذلك لا يتم دعم شركة حكومية خاسرة علي حساب أخري رابحة. فالهدف الرئيسي لهذا البرنامج الاصلاحي هو احداث توازن حقيقي للتدفقات النقدية سواء الشركة او الوحدة او الوزارة، وذلك من خلال البحث عن موارد غير مستغلة داخل اي شركة قطاع اعمال عام خاسرة تكون في شكل سلع بالمخازن او ودائع مالية او حتي اصول ثابتة يمكن تدويرها بالبيع في محاولة لسد العجز الذي قد يتخذ شكل خسائر او ديون للشركة في صورة قروض مضمونة من الموازنة العامة للدولة. وتوضح د. ضحي عبد الحميد ان المضي في تنفيذ هذا البرنامج الذي يستند في مجمله علي دراسات علمية دقيقة، قد اثمر بالفعل عند تطبيق اعادة هيكلة التدفقات النقدية داخل بعض الهيئات الحكومية عام 2004 مثل وزارة الطيران المدني والشركات القابضة وشركات المياه والشركة القابضة للكهرباء.