تحقيق محمود مقلد وهبة درويش: أثارت تصريحات الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اليورومني الخاصة بطرح مشروعات للقطاع الخاص بتكلفة تقدر بنحو 50 مليار جنيه ردود فعل قوية وعلامات استفهام كثيرة خصوصاً أن الوزير أكد أن الدولة لا تستطيع وحدها مواجهة الأزمة المالية ولابد من دور أكبر للقطاع الخاص والمستثمرين خلال الفترة القادمة. علامات الاستفهام الكثيرة جاءت بسبب تأكيد الوزير علي دور أكبر للقطاع الخاص وعدم قدرة الدولة علي مواجهة الأزمة وحدها، في الوقت الذي يتجه فيه العالم كله لتحجيم دور القطاع الخاص واستعادة دور الدولة لحل الأزمة، حيث استنكر الخبراء تصريحات الحكومة التي تهدف إلي دعوة القطاع الخاص للمشاركة في مواجهة الأزمة مقابل مجموعة من الحوافز والاغراءات، موضحين أن تجربة الاعتماد علي القطاع الخاص بمفرده أثبتت فشلها ولا يمكن بأي حال من الأحوال انسحاب الدولة وترك الملعب للقطاع الخاص مطالبين بالاستفادة من التجربة الأمريكية وقضايا الاحتكار والغلاء الذي شهدته الأسواق خلال الفترة الماضية. في البداية أكد الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية أن مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة في تنفيذ البنية الأساسية لن تؤثر علي سعر الخدمة المقدمة للمواطن وأن الغرض من هذه الشراكة هو ضمان سرعة تنفيذ المشروعات وفقاً لأعلي معدلات الجودة وتخفيف العبء علي ميزانية الدولة. كذلك قال الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار إن مشاركة القطاع الخاص في المشروعات التنموية ليست جديدة خاصة أن هناك تجارب سابقة في هذا الصدد في الكهرباء والموانئ الجوية والبحرية وصلت تكلفتها 6 مليارات دولار. PPP هي توجه عالمي وستعود بالعديد من الفوائد علي التعليم والصحة إلي جانب مساهمتها في جذب استثمارات خارجية في حدود 5.1 إلي 2 مليار جنيه سنوياً مع زيادة الاستثمارات المحلية والقيمة المضافة والناتج القومي. وأضاف أن دور وزارة الاستثمار في هذا الصدد سيكون من خلال هيئة الاستثمار في مساندة وترويج هذه المشروعات وإعداد الوثائق الفنية في هذا الشأن مع توفير التمويل في المراحل المختلفة من خلال المؤسسات المصرفية. أيضاً أوضح المهندس محمد لطفي منصور أن تنفيذ مشروعات النقل بنظام مشاركة القطاعين العام والخاص هو الأنجح لامتلاك شبكة بمواصفات عالمية تتم فيها الصيانة بنظام عالمي وبشكل يضمن ويحقق مصالح الطرفين العام والخاص مؤكداً أن هذا النظام يضمن مشاركة القطاعين العام والخاص في المخاطر والعوائد من تنفيذ أي مشروع نقل، وبالتالي يعطي القطاع الخاص الضمان للدخول في مشروعات استراتيجية تنموية. لكن برغم كل هذه المبررات انتقد الخبراء الحلول التي طرحتها الحكومة لمواجهة الأزمة، موضحين أن الحكومة تسير عكس الاتجاه العالمي الذي يقلص دور القطاع الخاص ونحن نفتح لهم الأبواب. حيث يري د. محمد النجار الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة بنها أن التصريحات الحكومية الأخيرة الخاصة بتوسيع مشاركة القطاع الخاص في المشروعات المختلفة والمراهنة عليه في الاحتفاظ بمعدل نمو لا يقل عن 6% في الوقت الذي تسحب فيه معظم الدول المتقدمة البساط من تحت أقدام القطاع الخاص، يعد نوعاً جديداً من خداع النفس، خاصة أن المؤشرات المستقبلية تشير إلي أن ثمة اضطرابات متوقعة خاصة بالمسار الاقتصادي داخل مصر من جراء الأزمة ومن ثم لا يمكن التوقع حتي بمعدل النمو المرتقب تحقيقه حالياً، خاصة أن الشيء المضمون حالياً هو دخول أمريكا ودول أوروبا الغربية والعالم بأسره في حقبة ركود اقتصادي قد تمتد إلي فترة ليست قصيرة. ويستنكر د. محمد النجار فكرة توسيع مشاركة القطاع الخاص المصري والمراهنة عليه في الفترة القادمة، خاصة أن أوقات الأزمات هي أوقات تعظيم دور الدولة وليس الاعتماد علي القطاع الخاص.. وهو ما نستطيع تتبعه بسهولة في أزمة الكساد الكبير التي تعرض لها العالم عام 1929. وهو ما يحدث الآن ويتجلي فيما فعلته الولاياتالمتحدةالأمريكية من تدخلات لاحكام سيطرة الدولة، ولعل هذا لا يرجع فقط إلي الإيمان بدور الدولة في تعويض ما أفرزته الأدوار السيئة للقطاع الخاص وتلافي آثارها، وإنما يعود أيضاً إلي مناخ الأزمة الذي أوحد بدوره موجات تشاؤمية لدي القطاع الخاص، ومن هنا نستخلص أن فكرة اقدام القطاع الخاص علي استثمارات جديدة هو احتمال ضعيف في الدول المتقدمة والدول النامية علي حد سواء. لأنه بخلاف ظروف الكساد العالمي التي شقت طريقها للسوق الاقتصادية حاليا فإن تواضع المناخ الاستثماري المصري نسبيا وحاجته الفعلية لإصلاح حقيقي قد يقف عقبة في طريق استقطاب المزيد من الاستثمارات، مؤكدا ان المستثمر حاليا يشعر باستحالة المخاطرة بنقوده في المشروعات خاصة بعد صدور مجموعة من التشريعات الحكومية المعقدة والمكبلة للانشطة الاستثمارية والتي شملت زيادة اسعار البنزين والسولار والغاء الاعفاءات بالمناطق الحرة، وكلها تشريعات تم صدورها فجأة دون سابق انذار. فيما يوضح ابو العز الحريري نائب رئيس حزب التجمع ان فكرة الاعتماد علي القطاع الاستثماري في تلافي تداعيات ازمة الكساد العالمية، لا تشير الا لحقيقة ان الحكومة تسعي للتخلي عن دورها في اقامة المشروعات العامة والخدمية والاقتصاد في الانفاق الحكومي لها والعمل علي تسليم رقبة المواطن المصري البسيط للمستثمرين موضحا ان التجربة العملية اثبتت حرص القطاع الخاص علي تحقيق اعلي ربح ممكن، حتي ان سعر البيع غالبا ما يتجاوز ثلاثة اضعاف سعر البيع المفترض، فكانت المحصلة النهائية موجة كبيرة من الغلاء جعلت المواطن البسيط يركض وراء السلع الاساسية والضرورية فقط. منوها ان فكرة اعتماد الحكومة المصرية علي ما يسمي بعصر اقتصادات السوق ومحاولة تقديم الدعم لتشجيع القطاع الخاص علي الخوض في مشروعات الخدمات الصحية والتعليمية التي اعتاد المواطن علي الحصول عليها بصورة مجانية يعد محاولة جديدة من قبل الحكومة لتقليص دعمها للقطاع العام وتمهيدا لبيعه للمستثمرين وهوما لا يعني ان يكون العلاج الانجح لمشكلات الفقر وانخفاض مستويات المعيشة داخل المجتمع المصري كما يظن البعض. ويتساءل ابو العز عن كيفية استقطاب المزيد من الاستثمارات طالما ان السوق المصري يعاني من ضعف القوي الشرائية للمواطن من ناحية وعدم قدرته علي المنافسة للاسواق العالمية من ناحية اخري، مع الوضع في الاعتبار ان ثمة حقيقة اقتصادية تؤكد ان 20% من سكان العالم في الدول المتقدمة ينتجون 80% من احتياجات العالم بالفعل. علي ادريس نائب رئيس لجنة التشريعات الاقتصادية بجمعية رجال الاعمال يتوقع تخوف المستثمرين من الدخول في المشروعات المرتقب طرحها من قبل الحكومة بنظام P.P.P.