لقد نمت صناعة البنوك في العالم بقوه خلال الخمسة والعشرين عاما الأخيرة ففي امريكا تحصل شركات صناعة الخدمات المالية وحدها علي نحو 40% من اجمالي ارباح الشركات الامريكية حسب ارقام العام الماضي بعد ان كان نصيبها من هذه الارباح لا يتجاوز 10% في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وتقول مجلة "الايكو توميست" نقلا عن ارقام شركة الاستثمارات مكنزي ان ارباح البنوك الامريكية في عام 2006 كانت اكبر من مجموع ارباح قطاعات تجارة التجزئة والأدوية والسيارات علي مستوي العالم ولكن فترة من التخندق وخفض النفقات صارت تلوح الآن في افق الصناعة المصرفية فإيرادات الدخل الثابت ستصاب بحالة من العرج في المستقبل المنظور، وعودة النشاط إلي الأوراق المالية سيكون خافتا كذلك فإن درجة الاعتماد المالي علي الذات ستتراجع وتتبعها الارباح وخاصة في بنوك الاستثمار ورغم ذلك فإن المستقبل قد لا يكون مقلقا إلي هذه الدرجة لعدة اسباب أولها يظهر بالفعل في نتائج البنوك. صحيح ان البنوك الغربية منيت بخسائر كبيرة ولكن أجزاء أخري من عمل هذه البنوك اداؤها جيد وخاصة إيراداتها القادمة من الاسواق الناشئة فهي اسواق نشطة وتضخ الدماء إلي البنوك الغربية التي دهمتها الأنيميا وواضح ان الطلب القادم من العالم النامي هو محرك جيد لنمو الصناعة المصرفية ومرة أخري تقول ارقام مكنزي أن 80% من ايرادات البنوك الغربية عام 2006 جاءت من الاسواق الناشئة برغم انها لا تمثل سوي 71% من اجمالي الناتج العالمي المحلي. والسبب الثاني للتفاؤل هو سبب سكاني فمتوسطات الاعمار تتزايد وتتزايد معها اعداد المسنين. وتقول شركة التأمين باترنوستر إن اكثر من نصف سكان بريطانيا الذين هم حاليا في سن الثلاثين سيعيشون حتي سن المائة وهذا سيتيح مزيدا من الاموال لصناديق المعاشات من أجل استثمارها. اضف إلي ذلك الصناديق السيادية المملوءة بالثروات وقد لايكون لهذه الصناديق سابقة في اقالة سوق مالية من عثرته كما انه قد يكون لها بعض الاخطاء ولكن تقديرات ما تملكه تلك الصناديق السيادية من ثروات يناهز 3 مليارات دولار ويتوقع ان تصل إلي 10 مليارات دولار في غضون السنوات الخمس القادمة وهذه الاموال حقيقة قابلة للاستثمار في الصناعات المصرفية والمؤسسات المالية. أما السبب الثالث وان شئت فقل المحفز الثالث للنمو في قطاع المصارف فهو النمو ذاته فقد اظهر بحث قام بنك الاستثمار مورجان ستانلي ونظيره اوليفر وايجان ان نمو بنوك الاستثمار بشكل خاص يرتبط ارتباطا وثيقا مع النمو في اجمالي الناتج العالمي وحجم الاوراق المالية المتداولة. ولذلك فإن البنوك سوف تستفيد إذا ما اظهر الاقتصاد العالمي أي قدر من الاداء المناسب. وهناك سببان آخران للتفاؤل هما مرونة صناعة المصارف العالمية وقدرتها علي الاستجابة السريعة للتحديات وتصحيح الأخطاء. والثاني ان البنوك لم تفقد دورها بعد كما يدعي البعض عندما يقولون ان المعترضين يمكنهم تجاورها والذهاب مباشرة إلي اصحاب الاموال للاقتراض منهم فالبنوك لا تزال ذات وظيفة لا غني عنها في أي نظام مالي كوسيط بين اصحاب المال والمقترضين وهذا هو احد دروس أزمة الائتمان الراهنة. وبالطبع فإن صعوبات كثيرة سوف تعترض طريق البنوك اثناء الخروج من هذه الأزمة فالبنوك ستكون في حاجة إلي اعادة التوازن إلي مصادر حصولها علي الاموال وفي بلد مثل ايسلندا عندماواجهت بنوكها أزمة سيولة عام 2006 كان علي هذه البنوك ان تبتكر ما هي في حاجة إليه من حلول. وبالفعل فقد لجأت بعض اكبر بنوك ايسلندا إلي فتح حسابات ادخارية عبر الانترنت لكي تحصل علي ما تحتاجه من تمويل عن طريق جذب صغار المدخرين. كما ان تعض البنوك الأخري لجأت إلي اطالة الفترات التي تمكنها من تفادي أي تجميد للسيولة وهذه خطوات ليست سهلة ولكنها مكنت بنوك ايسلندا من تخفيف ما تتعرض له من اضرار نتيجة أزمة الائتمان الحالية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن البنوك قد تستطيع تحميل عملائها ببعض النفقات حتي لا تؤثر زيادة التكاليف علي ارباحها بالنقصان ولكن هذا السلوك ليس مضمون النتائج إذا جري تنفيذه في مجالات التعامل ذات التنافسية العالية وباختصار فإن الخروج من الأزمة التي تمر بها صناعة المصارف العالمية هذه الأيام يعتمد علي رفع كفاءة الأداء إلي جانب الاستفادة من اموال الصناديق السيادية مع توسيع عملياتها كلما امكن في الاسواق الناشئة.