في سبتمبر 2008 ذلك الشهر المخيف الذي ظهر فيه العالم وكأنه يتمزق جري الإعلان عن تعيين السيدة إيلين كولمان رئيسا تنفيذيا لشركة دوبونت تلك الشركة الأمريكية العريقة التي تبلغ من العمر 208 أعوام والتي بدأت كشركة منتجة للبارود ثم تحولت إلي شركة للكيماويات والبلاستيك وصارت أخيرا -قبل أن تفقد تميزها- شركة علمية محضة وتقول مجلة "فورتشن" إن العام التالي 2009 كان بالنسبة للسيدة كولمان وشركتها عاما كئيبا وإن كانت الأوضاع قد بدأت في الانفراج هذا العام 2010 والمدهش أن كولمان -54 عاما- لم تفقد أبداً خلال تلك الشهور الصعبة ما تتميز به من روح الدعابة والضحكات المجلجلة . ومنذ تولت قيادة دوبونت قامت كولمان بتنفيذ خطتين لإعادة الهيكلة استغنت خلالهما عن آلاف العاملين وفرضت علي الباقين إجازات إجبارية لمدة اسبوعين أو ثلاثة غير مدفوعة الأجر وفي 3 نوفمبر الماضي بدأت تخرج عن صمتها وتتحدث للمحللين والمستثمرين في دوبونت معلنة لهم عزمها علي زيادة حجم الإيرادات علي كل سهم بنسبة 20% سنويا ولمدة ثلاث سنوات متتالية من العام الحالي حتي عام 2012 وإذا عرفنا أن حجم الإيرادات لكل سهم في عام 2009 كان 1،92 دولار فمعني ذلك أن حجم الإيرادات بالنسبة لكل سهم سيصل عام 2012 إلي 3،32 دولار وهذا انجاز طيب ولكنه لا يزال أقل من المعدل الذي كانت دوبونت تحققه منذ أربع سنوات وهو 3،38 دولار للسهم عندما كان الركود مجرد شبح يلوح في الأفق . وفي نفس الوقت فإنه لا يمكن الوثوق بأن وعد السدية كولمان سيكون قابلاً للتنفيذ ففي الخمسين سنة الأخيرة تولي منصب الرئيس التنفيذي للشركة 9 أشخاص متعاقبين لم ينجح سوي 4 منهم فقط في تحقيق مثل هذا الوعد رغم إعلانهم عنه أضف إلي ذلك أن وعد زيادة الإيرادات رغم أهميته لا يكفي لاسترداد مجد دوبونت ومركزها المتميز في عالم الشركات وأن زيادة الأرباح هو وحده الذي يمكن أن يحقق هذا الهدف الكبير . وواضح من قوائم فورتشن -500 المتعاقبة مدي التدهور الذي لحق بهذه الشركة العريقة . ففي أول قائمة عام 1995 كانت دوبونت في المركز العاشر أما في القائمة الجديدة الخاصة بنتائج عام 2009 فإن ترتيبها جاء في المركز رقم 086 ومع ذلك فلا تزال دوبونت دون شك شركة مهمة في عالم الشركات متعددة الجنسيات حيث بلغت إيراداتها في العام الماضي 27 مليار دولار وأرباحها 1،8 مليار دولار وعدد العاملين فيها 58 ألف شخص كما أنها لا تزال شركة مهمة محليا في أمريكا بسبب منتجاتها المبتكرة ذات الاستخدامات المتعددة . لقد تأسست دوبونت عام 1802 علي يد إليوذير إيرني دوبونت ولا تزال الشركة تحمل اسم هذه العائلة كما هو واضح كما أن عائلة دوبونت ظلت تديرها 165 عاما متصلة قبل أن تسلم قيادها لرؤساء تنفيذيين من خارج العائلة . ونمت شركة دوبونت مع أمريكا حتي أصبح لها تاريخ يتميز بالثراء، وفي القرن الأول من عمرها اغتنت الشركة من صناعة البارود أما في القرن الثاني فقد تحولت إلي الصناعات الكيماوية وصارت أيضا مستثمرا حكم جنرال موتورز لبعض الوقت كما أنها ابتكرت لنا التابلون قبل الحرب العالمية الثانية واسهمت في نجاح مشروع ما تهاتن لصناعة القنبلة النووية الأمريكية التي حسمت هذه الحرب عندما قامت ببناء ما يحتاجه هذا المشروع من مفاعلات لإنتاج اليورانيوم والبلوتنيوم وقد اتخذت دوبونت لنفسها شعاراً يدعو إلي إنتاج أشياء أفضل لحياة أفضل باستخدام قوة الكيمياء كما كانت تحقق في السنوات الأولي من صدور مؤشر فورتشن -500 زيادات في أرباحها تناهز 20% سنويا وهو معدل لم تضربه سوي قلة قليلة من الشركات كذلك ظلت دوبونت طويلا كعبة لرجال الأعمال يتعلمون منها فنون الإدارة والحسابات المالية . ولكن منذ نحو نصف قرن بدأت دوبونت تفقد تميزها وتراجعت هوامش أرباحها إلي أقل من 4% في سبعينيات القرن الماضي صحيح أن هذه الهوامش عادت إلي الارتفاع حاليا لتصير 6-11% سنويا خلال السنوات الخمس الأخيرة ولكن العقود القليلة الأخيرة شهدت انطفاء شعلة دوبونت وحدوث تدهور شديد في عوائدها وأدائها وهناك من يري أن دوبونت كانت تحاول خلال تلك الفترة وخاصة في العقد الأخير أن تعيد اكتشاف نفسها لكي تعلن في النهاية أنها تحولت إلي شركة للعلوم وقد تم الجزء الأكبر من إعادة الاكتشاف هذه علي يد تشارلز هوليداي