لا شك أن ذكري سقوط بغداد في التاسع من أبريل تستدعي لنا جريمة اجتياح العراق وغزوه علي يد بوش وبطانة المحافظين الجدد، وتثير معها تساؤلات عدة لعل منها وماذا بعد؟ الكارثة تتفاقم اليوم مع إصرار المجتمع الدولي علي تجاهل رغبة العراقيين في مقاومة الاحتلال من أجل أن يرحل، فوجود قواته يشكل مصدرا للعنف وإراقة المزيد من دماء العراقيين الأبرياء. * حديث الإفك والضلال وبعيدا عن خزعبلات بوش وتحليقه وحديثه عن الانتصار الذي تم لأمريكا إنجازه فإن غزو العراق كان خطأ فادحاً وجريمة حرب كبري لاتزال أبعادها تتكشف بعد مرور خمس سنوات عليها، ويكفي قصف الطائرات الأمريكية للمدن العراقية وقتل النساء والأطفال والشيوخ، ويكفي الحرب الأهلية الطاحنة التي اندلعت بين السنة والشيعة، ومن ثم فإن بوش يعلم عن يقين بأنه يكذب ويضلل عندما يتحدث عن الانتصار الذي حققه من وراء غزو العراق، ولعل الكاريكاتير الذي أبرزته صحيفة التايمز البريطانية تزامنا مع ذكري مرور خمس سنوات علي الاحتلال هو الذي يعكس الحقيقة، فبوش يضحك علي نفسه وعلي الآخرين عندما يتغني بالنصر الذي أحرزه في العراق بينما ما يحدث علي أرض الواقع يشي بغير ذلك، وهذا ما أظهره الرسام "بيتر بروكس" عندما صور بوش مرتديا بزة عسكرية وهو ممدد داخل تابوت رفع عنه غطاؤه بعض الشيء وظهر بوش يرفع ذراعيه بإشارة النصر بيد أن ملامح وجهه تنم عن الضيق والحرج. * لا سيادة مع احتلال النصر الذي يدعيه بوش نصر زائف، فالرجل يهذي ويخلط الأوراق ويقلب الحقائق ولا يدري علام يتحدث، وكأنه مصاب بالعمي وانعدام الرؤية وكأنه لا يري ما حل بالعراق من كوارث باتت واضحة للعيان ويكفي أن العراق تحول ليصبح مقبرة جماعية، الغريب أن المحافظين الجدد يواصلون فريتهم بالحديث عن سيادة العراق رغم علمهم بأن هذه السيادة غائبة ولا وجود لها، فلا سيادة تحت الاحتلال كما أنهم يتحدثون عن الاستقرار والأمن رغم أنه غائب ويكفي أن من يسيطر الآن هي الميليشيات الطائفية وشركات الأمن الأمريكية مثل شركة "بلام ووتر" والتي ارتكبت الكثير من الجرائم بعد أن أسلم لها الزمام وراحت تتحكم في أبناء شعب العراق وتقتل كل من يقع تحت يدها. * أمريكا وسجلها المخجل في حقوق الإسان! أما التعذيب والقهر ومصادرة حقوق الإنسان في العراق فحدث ولا حرج والغريب أنها تعمد إلي تسييس مسألة حقوق الإنسان وتستخدمه كسيف مصلت علي رقاب الدول من خلال إدراجها في لائحة منتهكي حقوق الإنسان وتنسي أمريكا إدراج نفسها في قائمة انتهاك حقوق الإنسان لا سيما مع سجلها الزاخر بالانتهاكات المخجلة في العالم، وتعذيبها للمعتقلين في أبو غريب الموثق بالصور والذي يدين امبراطورية الشر وتكفي الصور التي نقلت عما يحدث من هتك آدمية الإنسان وإذلاله وتنسي أمريكا أنها غزت واحتلت وأبادت ودمرت ونسفت حضارة دولة ذات سيادة ونهبت ثرواتها وشردت واغتصبت وأجرمت في حق سبعة وعشرين مليون عراقي، بالإضافة إلي أنها رسخت الطائفية الإثنية المذهبية ونشرت الفوضي وتسترت علي جرائم التطهير العرقي. * وجود طويل المدي ولا شك أن تخبط إدارة بوش يرتبط بعدم وجود رؤية استراتيجية تحكم الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فمنذ الغزو أكد بوش وطاقمه أنهم لا يسعون إلي البقاء في العراق وأنهم سيغادرونه فور انجاز مهمتهم دون أن يحددوا طبيعة هذه المهمة أو مداها الزمني غير أن روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي خرج في يونيو الماضي ليتحدث عن وجود طويل المدي علي غرار كوريا الجنوبية بما يكشف النقاب عن نوايا مبيتة لإطالة أمد الاحتلال ونهب خيرات العراق الذي يملك ثاني أكثر احتياطي من النفط بعد السعودية أي أن القوات الأمريكية ستظل متمركزة في العراق إلي الأبد ولكن أمريكا تنسي هنا أنه لا وجه للمقارنة بين العراق وكوريا، فالثانية لم تكن بها مقاومة مسلحة ضد الوجود الأمريكي. * مخطط لإقامة قواعد عسكرية تصريحات جيتس السالفة الذكر تعني أن أمريكا ضربت بعرض الحائط بتقرير بيكر - هاملتون الذي أوصي بإعلان أمريكا صراحة أنها لا تنوي إقامة قواعد دائمة في العراق، كما أن الكونجرس صوت علي تعديل أرفق مع قانون الإنفاق العسكري يحظر إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق غير أن القانون عرض للتشاور واختفي منه التعديل المتعلق بالقواعد بصورة غامضة، وهكذا فإن أمريكا تخطط لبناء أربع قواعد عسكرية تكون بها مدرجات يبلغ طول الواحد منها ميلين مما يسمح لأكبر الطائرات الأمريكية بالهبوط، الجدير بالذكر أن القاعدة في بلد شمال بغداد تغطي 14 ميلا مربعا ويجري التخطيط لبناء قاعدة أخري في منطقة أثرية. وهذا يحدث في وقت رأينا فيه أحد الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين وهو انتوني زيني يستنكر فكرة إقامة قواعد عسكرية أمريكية دائمة في العراق ويري أنها فكرة غبية ستؤدي إلي تدمير صورة أمريكا في المنطقة.. ولا شك أن أمريكا تريد بهذه القواعد استمرار سيطرتها علي المنطقة والاحتفاظ بقوتها علي أبواب إيران. الاحتلال قضية خاسرة كانت صحيفة النيويورك تايمز قد دعت إلي سحب الجنود الأمريكيين من العراق مؤكدة أن محاولة بوش لتحقيق الاستقرار فيه هي محاولة خاسرة. وعليه فإن الوقت قد حان لخروج القوات الأمريكية من العراق دون تأخير ولو ليوم واحد عن الوقت اللازم للبنتاجون لتنظيم الانسحاب. يجب السعي بجدية لإخراج أمريكا من أتون الكارثة التي أحدثها بوش باجتياحه للعراق الذي جري بدون خطة لتحقيق الاستقرار وبدون مبرر لاسيما وأن بوش لا يملك الرؤية ولا الوسائل لتحقيق الاستقرار المزعوم. وأياً كانت القضية التي حركته نحو احتلال العراق منذ البداية فهي قضية خاسرة لأن الجيش الأميركي لم ولن يستطيع حل المشكلة وإحلال الاستقرار في بلد غارق بالفعل في أتون الفوضي والانفلات الأمني وملامح حرب أهلية.