يوم السبت الماضي ومع الذكري الثانية لمرور عامين علي سقوط بغداد في التاسع من ابريل سنة 2003 تظاهر آلاف العراقيين.. خرجوا إلي الشارع يطالبون برحيل قوات الاحتلال أما العالم العربي فلقد مرت عليه الذكري دون أي حراك وكأنه يخشي إذا تحرك وطالب برحيل القوات الأجنبية أن يترجم هذا وكأنه موقف ضد أمريكا راعية الجريمة في العالم اليوم التي تحولت إلي وحش كاسر ينقض علي الجميع. أين الديموقراطية؟ ولا شك أن ذكري مرور عامين علي الاحتلال تستدعي الوضع الذي آل إليه العراق اليوم الذي أصبح يعيش وسط أزمة انفلات أمني وعدم استقرار وفوضي تضرب أطنابها في كل مكان مع تفاقم الوضع الاقتصادي الذي خلف حياة صعبة لا يملك فيها المواطن قوت يومه أما الديمقراطية التي صدعت أمريكا رؤوسنا بها فلم تتحقق ولم تنتشر الحريات بل العكس هو الصحيح حيث سلبت الحرية وطمست الحقوق وأطيح بالديمقراطية وانتهكت الاعراض وضاعت حقوق الإنسان وتم لأمريكا وضع اليد علي ثروة العراق النفطية. علة الطائفية أما أحد مساويء الاحتلال التي تطفو علي السطح فتتمثل في أنه أغرق المجتمع العراقي في بحر الطائفية الإثنية ومن ثم ظهر علي السطح استنفار عرقي هو الذي سيطر علي المشهد العراقي ولا شك أن أمريكا هي التي لعبت الدور الرئيسي في ذلك فمعها ومن خلال أدائها غاب البعد الوطني العراقي الذي ينطق باسم العراقيين بصرف النظر عن المذهب أو العرق في عملية التغيير حتي الانتخابات التي جرت في الثلاثين من يناير الماضي عكست الإثنية حيث إن الانتخابات جرت علي أساس كوتا الأصول وليس علي أساس البرامج الانتخابية..! أكذوبة الديموقراطية.... ظهر الكذب والتضليل الأمريكي واضحا للعيان، فعلي حين رفعت لافتة قبل اجتياح العراق تبشر فيها بنشر الديموقراطية والحرية واعلاء حقوق الإنسان لم يتحقق شيء من هذا وكل ما فعلته أمريكا بتعمد وإصرار هو تحريك وتهييج التركيبة الطائفية من خلال احتضانها للأكراد، وتقربها للجناح الشيعي الذي يمثله آية الله العظمي علي السيستاني، والنفور الواضح في تعاملها مع السنة. وهكذا دخلت أمريكا العراق فأحيت فيه الطائفية التي كان العراق قد تجاوزها منذ زمن لاسيما وأن الظاهرة لم تعد مقبولة في عصر أزيلت معه الحدود بين الأمم والثقافات ومن ثم بدأت العملية تأخذ نفس المسار المتبع في لبنان بتوزيع المناصب وفق الطائفية ليصبح رئيس الدولة في العراق كرديا ورئيس الوزراء شيعيا ورئيس المجلس الوطني سنيا. فشل المشروع الأمريكي...؟ لم تستطع أمريكا - التي تدعي أنها انتصرت في العراق - إرساء صيغة عراقية مشتركة عامة تجمع الكل في واحد لكي تكون نموذجا حقيقيا يمكن تطبيقه علي الدول الأخري في المنطقة تماما كما كانت أمريكا تأمل. وذلك أن العراق تحول علي يد أمريكا إلي أمن مضطرب وخلافات بين أهل السلطة حول الكثير من المسائل منها علي سبيل المثال لا الحصر طبيعة الدستور، والقوي التي يجب أن تحكم، وقضية كركوك! لقد فشل المشروع الأمريكي بالفعل ولكن يمكن القول بأن كل ما حظيت به إدارة بوش في العراق أنها تمكنت من فرض سيطرة غير مباشرة علي كل دول المنطقة عندما استخدمت ما حدث في العراق كسيف وصلت علي رقاب القيادات العربية بحيث انصرفت كل دولة إلي الانشغال بهمومها ومحاولة إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية لإقناع أمريكا بأنها علي طريق الاصلاح والديمقراطية وتنسي أمريكا أن أي إصلاح يحتاج إلي مناقشة وحوار لا إلي تدمير دولة بكاملها لاقناع الدول الأخري بالديمقراطية!! السجان الأمريكي لم يجن العراق شيئا من احتلال أمريكا له بل علي العكس خسر الكثير ويكفي الدمار الذي لحق بالدولة والابادة التي حلت بالشعب والسطو الذي تعرضت له ثروة العراق النفطية والأثرية والقهر والتعذيب الذي حل بمعتقليه علي يد السجان الأمريكي الذي مارس معهم أبشع الجرائم التي لا يتصور أحد أن ترتكب في حق الانسان من قتل عمد واغتصاب وفضائح جنسية بالجملة وانتهاك صارخ للآدمية.، أمريكا لم تنشر الديمقراطية ولم تحقق الرخاء الاقتصادي والسياسي والأمني وإنما علي العكس خنقت الحريات وهمشت الشعب العراقي بأكمله وأوقعت الجميع في دائرة المرض والفقر المدقع والأمن الضائع! إسرائيل هي الفائز.. إسرائيل كانت هي الفائز الوحيد الذي ظفر بكل الغنائم من جراء سقوط بغداد في يد الاحتلال الأمريكي ويكفي أنها ضمنت بذلك انتهاء تهديد دول الطوق بل إن احتلال العراق وما تبعه من وقائع منحها فرصة العمر لتعيث فسادا في المنطقة وتفرض شروطها علي الجميع وتمارس الضغط علي الفلسطنيين للحصول علي أقصي قدر من التنازلات بالاضافة إلي سعي دول عربية أخري نحو التهدئة معها ولا أدل علي ذلك من أن مؤتمر شرم الشيخ يعقد في فبراير الماضي من أجل وقف المقاومة الفلسطينية ضدها وتعقبه قمة الجزائر العربية التي تعقد من أجل الخروج بقرار يطالب بتفعيل مبادرة السلام مع إسرائيل ويتضمن دعوة مفتوحة للتطبيع...! مصائب قوم عند قوم فوائد.