ما أسهل الهدم وما أصعب البناء.. لقد أثبت هذا القول صحته عبر التاريخ في جميع المجالات.. فمن السهل جدا أن تنتقد الآخرين فيما يقومون به من أعمال.. من السهل أن تقول لهم هذا كله لا يعجبني.. ومن السهل جدا أن تشكك في كل شيء تراه أو تسمعه وتهيل عليه التراب ونقول للآخرين أنتم لم تفعلوا شيئا له قيمته.. وما يحزن حقيقة أن يتحول النقد الجميل الذي يري الايجابيات والسلبيات وينير الطريق نحو مزيد من البناء والرخاء أن يتحول هذا النقد الي نوع من الهدم العشوائي لكل شيء اعتبارا من القيم الأصيلة التي عشنا بها والتي أقمنا بها البناء في كل الميادين ومرورا بكل الانجازات التي حققها هذا الشعب البناء والذي عرف عنه بحق أنه مصر البنائون والتاريخ خير شاهد علي ذلك إنه هذه الفوضي التي تستهيل الهدم في كل مجال علينا أن نكشفها ونفضحها ونسلط عليها الشمس حتي نتطهر منها.. وهناك فارق كبير بين النقد وهو حق مشروع بل وواجب مطلوب والهدم الذي يجب ألا ندعه يمر دون أن نتصدي له فكرا وقولا وقانونا.. وأهم ما يجب أن نحرص عليه هو "عدم الصمت" في مواجهة من يسعون لهدم كل شيء.. الأهم من أن نتهمهم أن نكشف ما يقومون به وأن نوضح للناس ما يستهدفونه.. وهنا تأتي لغة الحوار المنضبطة والفاهمة والملتزمة مطلبا أساسيا حتي يؤتي ثماره وحتي يصبح مقبولا من الجميع. أيها السادة مرحبا بكل نقد يريد البناء ويتصدي لكشف الأخطاء وتعرية الفساد.. مرحبا بكل اقتراح ورأي يقدم مقترحات بالحلول ويجتهد في كشف الداء والمساعدة في وصف الدواء.. مرحبا بالخلاف في الرأي الذي لا يفسد للود قضية ولكن كثيراً مما نراه ونسمعه ونقرأه ليس فيه رأي أو رؤية إنه مجرد هدم أقول ذلك دون أن أغفل قيمة النقد والرأي الآخر في عملية البناء والتصحيح والتنمية ولكن ذلك كله بمفهوم للنقد والرأي الآخر الذي يسعي إلي صالح المجتمع كما يراه معظم الناس.. ومرة أخري يجب علينا جميعا مفكرين ومنظمات مجتمع مدني وكل القوي الفاعلة والمستنيرة في كل موقع أن نتصدي لكل فوضي وعشوائية تهدم ولا تصلح وذلك بكل الأدوات المباحة من الكشف والحوار والمناقشة التي تجعل الاستنارة هي السلاح الذي يحمي والقوة التي تبني. وقد طالعتنا الصحف هذه الأيام بأمر عجيب يقع في دائرة الهدم.. فنحن أيها السادة لدينا حرص علي تاريخنا مثل كل شعوب الدنيا ويجب أن نكون أكثر لأن لدينا من التاريخ ما يجب أن نحافظ عليه.. ومن هنا فقد تم منع هدم الفيلات والقصور الأثرية.. ورغم ذلك فقد قام أحد المقاولين بهدم القصر الأثري للشاعر محمود سامي البارودي بالشارع الذي يحمل إسمه بمنطقة الهرم.. وقد تم ذلك جهارا نهارا وبكل دم بارد.. وليس الغريب هو ما تم من هدم للقصر حتي تم تسويته بالأرض ولكن الأغرب أن المقاول قد حصل علي تصريح بالهدم من مهندسي حي العمرانية وقد ذكر في أقواله أنه حصل علي الترخيص بالهدم لهذا القصر الأثري مقابل دفع ربع مليون جنيه أي والله 250 الف جنيه وذلك لإقامة عمارة سكنية بدلا من قصر البارودي وقد تم ضبط مهندسين بإدارة التنظيم اللذين وافقا علي عملية الهدم والإزالة وبقي مهندس آخر مازال هاربا وأنه تم فصله من عمله.. وأنا لا أفهم هل تم فصله قبل التصريح بالهدم وبالتالي إنتهت صلاحياته لإصدار مثل تلك الموافقة علي الهدم والإزالة وهذا هو المنطقي أو كيف يتم فصله بعد الهدم دون أن يقدم للمساءلة والمحاكمة.. هكذا أيها السادة وبكل سهولة تم الحصول علي ترخيص بهدم وإزالة قصر البارودي وقام المقاول في لمح البصر بتنفيذ ذلك بكل همة وهو يعلم أن هذا الأمر غير جائز ولذلك دفع الرشوة لكي يقوم بالهدم والإزالة وسلم لي علي القانون وعلي هيبة القانون.. وأنا أرجو ألا يمر هذا الأمر دون أن تكون لنا جميعا وقفة بجد.. فهذا أخطر ما يمكن أن يصاب به أي مجتمع.. وأنا تحديدا هنا أطلب الأتي: أولا: أن يرتفع الاهتمام بهذه القضية الي المستوي الذي يستحقه وأن يخرج السيد محافظ الجيزة لكي يقول للناس ماذا حدث بالضبط. ثانيا: أنا أثق أن أجهزة الأمن عندنا سوف تقبض علي المهندس الهارب والذي قيل إنه فصل من عمله والناس تريد أن تعرف علاقته بالموضوع كونه مفصولا. ثالثا: هل يمكن أن تكون عقوبة المقاول الراشي الذي دفع الرشوة للحصول علي ما ليس له حق فيه والذي يضر بالمجتمع أبلغ الضرر ليس فقط من حيث هدم وإزالة قصر أثري مهم ولكن من الاستهتار بالقانون وهيبة الدولة مقابل مزيد من التكدس والزحام والفوضي العارمة في البناء هل تكون عقوبة مثل هذا المقاول بسيطة مجرد سؤال وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يمتنع غيره عن نقل مثل هذا. رابعا: أن مشروع قانون البناء الموحد آن له الأوان أن يري النور وأن يضع من العقوبات الصارمة ما يمكن أن يتصدي لمثل هذا المقاول وكمثل هؤلاء المهندسين من حي العمرانية. خامسا: أن منظمات وفاعليات المجتمع المدني يجب أن يكون لها دور فاعل في التصدي هذه لمثل الأمور التي تشوه كل شيء من خلال فوضي البناء والعشوائيات.. إن من يتطلع الي المباني القديمة في القاهرة يلمس ويري الجمال علي عكس الفوضي التي سمحت لكل ساكن أن يشوه أي مكان يقيم فيه ولكل صاحب منزل أن يصنع ما يروق له رغم وجود جهاز أو هيئة التنسيق الحضاري ونظافة وتجميل القاهرة. سادسا: أنني أقترح البحث عن آلية جديدة هنا تجعل الأمر ليس في يد الحي وحده للترخيص بعمليات البناء والهدم لأن صوتنا قد بح من التنبيه الي المخالفات والانحرافات وهي تتكرر.. آلية جديدة تجفف منابع الفساد في هذه الأمور ولتكن مثلا الحصول علي موافقة المجلس الشعبي وهو بمثابة برلمان يمثل الناس في المحافظة وألا يترك الأمر للجهاز التنفيذي وحده.. لما له من خطر وأثر علي حياة الناس. سابعا: يجب أن تحرص المحافظة والسيد المحافظ علي إطلاع الرأي العام عما يحدث في هذه القضية ولتكن نقطة التحول في التصدي لكل العابثين بالقانون وبصالح المجتمع. أيها السادسة نعم ما أسهل الهدم وما أصعب البناء..