أعد قراءة هذا المقال، واحفظه في ذاكرتك فسوف تقرأه وتسمعه كثيرا في السنوات المقبلة في اللغة العربية وربما في بقية لغات الأرض، هو تعبير جديد أدخله - بقدر كبير من التواضع - كاتب هذه السطور، لست أزعم أنني أنشأته من العدم، بل هو نتاج معطيات حولي جعلت من السهل علي الوصول إليه وإعادة طرحه علي قرائي، الآن فقط أجرب للمرة الأولي في حياتي تلك اللذة التي يشعر بها العلماء عندما يقدمون للدنيا كشفا جديدا، طبعا أنت لا تصدقني وهذا من حقك فحتي أنا لم أصدق نفسي في البداية، غير أنني أعدك بأنني سأبدد شكوكك في اللحظات التالية. كلمة كاميرا دخلت قاموس المصطلحات في تعبير واحد هو عندما نصف شخصا ما بأن له «عين الكاميرا» وهو مصطلح نصف به هؤلاء القادرين علي رؤية الناس بالضبط كما تراهم الكاميرا، فالكاميرا تري في النجم السينمائي ما تعجز العين البشرية عن رؤيته، لذلك نقول في الوسط الفني: إن فلانا أحبته الكاميرا، لذلك نصف القادرين علي اكتشاف النجوم بأن لهم عين الكاميرا، هذا هو الاستخدام الوحيد لكلمة كاميرا في كل اللغات، أما مصطلحنا عن الكاميرات المعلقة فيعني شيئاً آخر، هو أن ما تراه أمامك ليس أكثر من وهم، عندها تقول عن شخص ما أنه ليس أكثر من كاميرا معلقة، نفس التعليق ستقوله عن أي مشروع وهمي يحاول أصحابه بكل الطرق أن يثبتوا لك أنه حقيقي، عندها تقول: إنه مجرد كاميرات معلقة. ولكن لابد من الانتباه إلي أن الفهم الشائع بأن الكاميرا المعلقة لا دور لها أو أنها عديمة القيمة، هذا هو ما يظنه البسطاء والسذج، الكاميرا المعطلة المعلقة لها دور بالغ الأهمية وهو إقناعك بجدية لا وجود لها، واشعارك بالرهبة والخوف والحذر والهيبة بغير مبرر حقيقي وتقنعك بأن وراء الأكمة ما وراءها وبالرغم من أنها لا تري شيئا غير أنها تقول لك، أرأيت.. لا حظ وجودي.. لاحظ انتشاري في المكان.. احترس.. احذرني.. صحيح أنا عمياء ولكني هنا لكي أثبت لك ولأمثالك من البلهاء أن أصحاب هذا المكان جادون ومخلصون لمهمتهم ووظيفتهم. هكذاك تكون الكاميرا المعلقة في حقيقة الأمر خيال مآتة تكنولوجي تخفيف الطيور فقط، بقليل من الصدق مع النفس تستطيع أن تدرك أن الكاميرات المعلقة ليست موجودة في متاحف وزارة الثقافة فقط، بل هي موجودة في كل مكان، إنها أسلوب حياة يتصور الخبث ذكاء والفهلوة كفاءة، وأن الحقائق لا وجود لها علي الأرض إلا في عقول السذج فقط وأن الأكاذيب تتحول فوراً إلي حقائق علي الأرض بمجرد طلائها بقليل من البوية. هناك أمر آخر يصيبني بالغثيان وهو عندما اسمع مسئولا يقول عقب مصيبة ما.. لقد كتبت لهم محذرا ولم يردوا عليّ.. كتبت لهم؟ لماذا لم يتكلم المسئولون مع بعضهم البعض؟ خبرتي كموظف كتابي قديم علمتني معني تعبير «لقد كتبت لهم» الواقع أن هذا المصطلح المقصود به فقط إبراء الذمة وليس إصلاح عوار، هو إجراء الهدف منه الحصول علي صك براءة بعد أن تحل الكارثة، ثم الهروب عن طريق استخدام المعاني الكلية، مثل كلمة التطوير، لقد كتبت لهم طالبا تطوير المكان، تري ما هو بالضبط المقصود بهذا التطوير، المعاني الكلية في السياسة وفي أي مجال آخر وسيلة للخداع، كان يجب عند تعطل أول كاميرا أن تتصل بالصيانة، ألو ابعتوا لنا حد يصلح الكاميرا.. هذا إذا كنت جادا.